بقلم : ناصر الظاهري
كانت فلسفة جماعة الإخوان قبل أن تكون محظورة، تقوم على أن الإصلاح يجب أن يبدأ من الرأس، ولكن وبعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الزعيم جمال عبد الناصر، وملاحقة قيادييهم والناشطين منهم، وحظر الحزب من العمل السياسي، دعا منظروهم إلى اتباع سياسة جديدة على مستوى التكتيك، لا على مستوى الأهداف، وهي البدء بقاع المجتمع وقاعدته للمضي في الإصلاح، والوصول للحكم، وغاب بعض الصقور من قياداتهم الذين كانوا يدعون للعنف وللفوضى الخلاقة في المنافي أو السجون، وظهر الحمائم الذين كسبوا بسياستهم و«تقيتهم» قاعدة
كبيرة على خريطة الوطن العربي، لذا توارت التنظيمات الملحقة بالإخوان في الخليج، واتخذت مسميات أخرى، حتى جاء ما يسمى «الربيع العربي»، وأخرجهم لسطح الأحداث، وقدروا بما يملكون من قاعدة في كل النقابات المهنية والمؤسسات أن يحتلوا مقاعدها، كما دخلوا البرلمانات، وتمكنوا من استغلال ثورة الشباب على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتردي في بعض البلدان العربية من القفز على كل الحواجز، وببعض التنازلات السياسية والفكرية للوصول لهدف الحكم، وفيما يخص «جماعتنا» كانوا يتابعون الأمور عن كثب،
وينتظرون إشارة الجهر، واستغلال الظرف المواتي، دون أي حسابات حقيقية لما يجري في واقع الإمارات ومنظومتها السياسية والاجتماعية، كدولة تسعى للتميز، وتقود أمورها بخطى وئيدة، ولكنها مفيدة، وتخدم نهضة المجتمع وطبيعة تطوره، ووعي الإنسان ومشاركته في بناء وطنه، بعيداً عن الشعارات «الثورجية» والأحلام الوردية، لم يقرؤوا واقع شعب الإمارات، والحاضر الذي نعيشه، ولم يقدروا سبر الرؤية المستقبلية لما يمكن أن تكون عليه الإمارات بالجهد والعمل والعلم والإخلاص، لذا اليوم لا يفيد أن نرد على هذا «التنظيم» بعد كشف حقيقته،
وليس اكتشافه، بالقول بنيات طيبة: إن هذا الوطن قدم وأعطى وعلّم، وأن هذه أرضكم عرضكم، فقد تجاوزوا هذه النقطة بمسافات تقترب من نقطة اللاعودة، كما لا تفيد الحلول الحماسية والمفرغة من الفكر المتعمق وبعد النظر، مثلما لا تفيد الشعارات حينما تكون منهزماً في الذات والداخل، وحده البرهان والدليل والسلطان حجة عليهم، فليت المتصدين لهم يكونون من
النخب المثقفة والواعية وطنياً في كل مناحي الحياة، بما يملكون من وعي فكري، وحس وطني، وفهم حضاري، فهم قادرون على أن يضيّقوا عليهم مساحات اللعب في مجتمع كمجتمع الإمارات في طور التشكل، بعيداً عن هجمة العوام الذين تغلبهم الحماسة، وتأخذهم العاطفة، دون جهد فكري يفند ادعاءاتهم بالثابت عليهم، فهم كخصم ليس بالضعيف وقد استفادوا من تجاربهم السياسية المختلفة، وعلى مر السنوات، وفي مختلف البلدان، حتى المناظرات والندوات التي أقيمت في الإمارات لبحث «ظاهرة ذلك التنظيم» وتوعية الناس به، وجدوا طرقاً مختلفة كتنظيم عالمي في الرد عليها بندوات هنا وهناك، وفي وسائل إعلام عربية وأجنبية، فلا بد من أن نحتمي من تأثيرهم، قبل محو أثرهم، وتطويقهم، لأنهم يدخلون بسم الله، وباسم الدين، وبعيداً عن الوطن!
المصدر : الاتحاد