بقلم : ناصر الظاهري
* لا يوجع القلب مثل سياسي عربي قديم، هاجر بعد أن لفظته السياسة، وودعته السلطة، وما كسبت يمينه، ولطمت شماله، وبما أشبع الشعب من خطب جوفاء لا تطعم رغيفاً، واليوم لا يجد له في شتاءات أوروبا إلا تلك المدفأة القديمة، وحكايات يجترها عن زمنه الغابر، وأوجاع اليوم التي تبدأ بكيف يتدبر مصاريف هذا الشهر، متجنباً أي انتكاسات صحية في غير وقتها، ولا يطيقها، ولا يقوى على علاجها.. مسكين هذا السياسي العربي في أوروبا الذي عمل لدنياه، فأنسته آخرته التي يعد أيامها بجانب مدفأته القديمة، وتلك الحكايات التي في مجملها كان بطلها، والتي تنزل دمعة العين ساخنة في وحدة تلك الشتاءات التي لا ترحم!
* لا يوجع القلب مثل صحفي ودعته الصحافة الجديدة، ونسيته الصحافة القديمة المحترمة، وتركته الصراعات السياسية لائثاً في أوروبا، عائشاً على عز واه من أمجاد القبض من الأحزاب المتصارعة، واليوم لا شيء إلا مواظبة الجلوس على المقهى لساعات طوال، يفلّي الصحف تفلية، ويدلق في جوفه فناجين القهوة، وصلب «سيجار» يابس يحتاط به لأي طارئ أو ضيف يحلّ فجأة على المقهى، هو مثل الرصاصة الأخيرة في مخزن أسلحته المتهالك، لا أحد يراسله، ولا أصدقاء حقيقيين أبقاهم لخريف عمره، كان يعمل على المتناقضات، ويقبض على الخلافات، واليوم ما أكثر الحروب، وما أكثر الكذابين بحيث لا مكان صغيرا له في هذه المساحة العريضة من المتناقضات!
* لا شيء يوجع القلب مثل بقايا الأمراء والأميرات، سليلي إقطاعيين حكموا مقاطعات أوروبية قديمة لسنوات طوال بتباه، واليوم هم بقايا صور تشريفية، لا يملكون إلا تلك الأسماء الطويلة جداً، ومجوهرات حقيقية غابت لمعتها اليوم، وملابس بشعة في غير وقتها، وكأنها تخص مصاصي الدماء في حفلاتهم السنوية الصامتة مثل برد الرماد، هؤلاء الأمراء والأميرات الذين يحملون مجداً على أكتافهم لا يقرأ، اليوم يتشفعون بافتتاح مهرجان خيري أو تلك الأعياد القروية المرتبطة بمواسم الحصاد أو بحفلات باذخة تصرف عليها «مافيا» بقايا جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً، يحلّ فيها أحدهم ضيف شرف، ورعاية نبيلة باستخدام اسمه الطويل والمختلط بأسماء بقاع منسية، ومبلغ نقدي يقبضه بيديه، لأنه لم يعد لديه فائض مستخدمين، كما أن الثقة لا يلتمسها من أحدهم، في حين الأميرات وخاصة اللواتي بلغن الستين، تجد إحداهن أقرب للنحافة، واللون البرونزي الذي كسبته من التشمس زادها سنوات لا تحصى، وذهب بلونها الأرستقراطي الأصلي، تعشق السيارات الطويلة التي تأتي عادة محفوفة بسواقين وبوابين تدربوا على الاحترام المزيف، كل شيء في تلك الأميرة السابقة، حاكمة مقاطعة غدت من غبار التاريخ، يجعلك ترثي تبدل الزمن، وقسوته على الناس، وتلك الأقدار التي لا يتمناها الإنسان لأبعد صديق، معظم أولئك الأميرات المتصابيات بوهن، لا يفكرن بالخطيئة، بقدر أن يجدن أزواجاً لمراحلهن العمرية المختلفة!
نقلا عن الاتحاد