بقلم : ناصر الظاهري
تدرون لم نتباكى على المعاني، والقيم، وما زخر به مجتمعنا من سلوكيات كانت ترفع من قيمة الإنسان، وتزيد من شرفه، وعلو مكانته؟ لأنها وحدها من تثبت الأقدام حين تتزلزل تحتك الأرض، وحدها التي تجعل الإنسان متوازناً حين تتراخى صخور الحياة، وتتماهى الأشياء، ويكاد المرء لا يعرف ما ينفعه وما يضره، وحدها التي تجعل منه قادراً على المسير ولو بخطوات بطيئة، متعثرة، لكنه يسير، وحدها قيم الخير والحق والجمال هي التي تجعل الإنسان طاهراً، ونافعاً، ولا تغلبه توافه الأمور، لذا يحق لنا أن نتباكى على قيمنا التي نخشى أن تفرط بين أيدي الأجيال الجديدة، لأنها هي من سيّرتنا، وسيّرت الأيام لكي لا تغلبنا، ولكي لا يطغى الشر على الخير، ولكي يبقى مجتمعنا متعافياً، ومتهادناً مع ما يحيطه، ومع أناسه، ومتسالماً في
داخله، ولا ينوي غير الخير للآخرين، نتباكى على قيمنا، لأن الأجيال الجديدة تتعرض اليوم لتأثيرات منبعها الداخل المتنوع، والخارج المختلف، ثمة أمور علينا أن نعض عليها بالنواجذ، لأنها الأحجار الثوابت، لا نقبل أن يتخطاها الآخر، ولا نقبل أن لا يبقى لها ذاك الإجلال والوقار، وعلينا أن نصونها، ونورثها سلفاً لخلف، لأنها ما يميز هويتنا، ويعطي شخصيتنا ذاك الاختلاف الجميل.
لكم أن تتصوروا لو خلت «الفزعة» من الدار وأهلها، وبتنا على قول المثل: «ما عنك ناشد يا ابن راشد»، وصارت الأمور «خبر خير»، من عدم المبالاة، والاتكالية على الآخر والغير، ألا تعتقدون أننا سنكون سُلبنا شيئاً من هويتنا المحلية، وشخصيتنا الإماراتية.
لو خلا مجتمعنا من «أخو شما»، ومن «بنت العون» ومن «هاب الريح»، وصارت أمورنا تسبح في أنانيتها، وغاب الإيثار، وحضر التكالب، بالتأكيد سيختل توازن شخصية مجتمعنا، وهويته التي تعطيه نوعاً من الخصوصية والتميز، وغدونا نشكو من أمر ضائع لا ندري ما هو؟
لو غاب ذاك الكرم وتلك الضيافة والمرحبانية والتواصل الاجتماعي، ودفء العلاقات الإنسانية، فلا حزن إلا حزن الجماعة، ولا فرح إلا بالجماعة، وإن غاب الجار، حلّ الجار مكانه، زوجة الجار أكثر من أختي، وابن الجار، ابني، ترى كيف ستكون بيوت الدار، وكيف سيكون أهلها الطيبون، لو خلت من تلك المعاني؟
لو غاب تبجيل الكبير، والحنو على الصغير، لو ارتضينا أن نسكن أمهاتنا، تاج رؤوسنا دور العجائز، لو سقطت عكازة عجوز هرم، ولم تتسارع له ومن أجله عشرات الأيدي، لو استغاثت «أخت الرجال» ولم يثبها أحد، ولم تجد شرراً في عيون الملبين، لو انتخى واحد من «قروم البلد»، ولم يجد ألف سيف له يغضب، لو نادى الوطن ولم يجد كل الصدور مراجل، وكل قبضات الرجال تحطم الضلوع فرحة بالنداء، ومجيبة للدعاء، لذا يحق لنا أن نتباكى ونبكي لكي لا تخلو تلك الأمور منا ومن وطننا.
المصدر : الاتحاد