بقلم : ناصر الظاهري
مشهد رئيسة كوريا الجنوبية «بارك غيون هي»، وهي تبكي بحرقة قبل أن تتسلم بطانيتها لتمكث في الزنزانة المخصصة للسجناء، مثلها مثل أي مجرم، لا شك أنه يفطر القلب، لا دفاعاً عن المذنبين، والمرتشين والمتخابرين مع جهات أجنبية بغية تسليمهم شيئاً من أسرار الدولة، والكثير من الكلام الذي يمكن أن يكون حقيقة أو شبه كذب أو افتراء أو ضمن لعبة سياسية تستغلها الأطراف المعارضة أبشع استغلال، ولكن شفقة من تغير الحال، وتبدل المقال، فبعد التبجيل والاحترام، وقول «سيدتي»، ربما يدفعها حارس أو تلكزها السجّانة بعقب بندقيتها، دافعة إياها، لتذوق ذلاً لم تعرفه، صعبة هي الحياة حين تقلب لك ظهر المجن، وتبدل نعيمها لسعير، وتجبرك على أن تتأمل عنادك ورعونتك وربما جهلك أو غفلتك أو أخطاءك تجاه نفسك، وتجاه الآخرين.
لقد ذاق مثل ذلك التحول والتبدل الدراماتيكي في نمط العيش والحياة ملوك ورؤساء عبر التاريخ، لكن بعضهم يذهب نحو حتفه بظلفه، ويبقى راكباً رأسه، يناطح صخرة ليوهنها، وأوهن قرنه الوعل، فجأة تذهب نياشين وأنواط الفخر والشرف والظفر التي على الصدر، بعد أن يسقط الصولجان، ولقد عشنا كيف صار محمد رضا بهلوي شاهنشاه إيران وطاووسها الذي كان يتزاحم على وده ومائدته ودعوته ملوك وأباطرة، وكانت هداياه للآخرين لا تخلو من ألماس وذهب، وحين يحتفل يفجر ويبذخ، وكيف سقطت تلك الدمعة الجمرة، وهو يودع «إيرانه» لآخر مرة، ويودع معها الحياة المخملية، ليظل تتلقفه المدن والجزر النائية، ولأيام معدودة، والكل لا يجسر على أن يقول له: أهلاً، حتى مات بالحسرة بعد أن انهارت مناعة الجسد، وربما رجاحة العقل في مدينة خرجت في جنازة أحد فنانيها، ولم تتعرف على جنازة الطاووس.
كان يمكن للرئيس حسني مبارك أن يختصر حياته العسكرية، والسياسية، بقولة: «آن لي أن أتنحى»، كما قالها قبله رئيس مصر حين أجبرته الهزيمة على الخروج من المشهد السياسي ومن سدة الزعامة، ولا يلوث تاريخه، وانتصارات حرب أكتوبر ولا هيبة حكم مصر لسنوات طويلة، لكن هو أو من خلفه من عاند وكابر من أجل مصالح شخصية، ألغت تاريخ الرجل، وزج به في السجن، وكان يتنقل من غرفة مستشفى لزنزانة، لقفص في المحكمة، وسرير متنقل يجعل العاصي يبكي عليه ومن أجله.
ومشاهد زعماء الأمة العربية، وانتقالهم من كراسي وثيرة إلى مقابر يتيمة، ولا صلاة ولا دعاء يتبعهم، ومن نعت شعبه بـ «الجرذان»، ألقى عليه الشعب القبض متخفياً في جحور الجرذان، ومواسير المجاري، والقائمة تطول وتعرفونها.. لِم وحدهم الرؤساء في أوروبا وأمريكا بعد أن يتموا خدمة وطنهم، يتقاعدون من أجل خدمة أنفسهم أو يتطوعون للأعمال الخيرية،
يساهمون في الخدمات الاجتماعية؟ ولا «بهدلة» ولا جرّ في الشوارع، ولا سحل الجثة في الطرقات، ولا إبعاد من الديار، ولا معاندة وقتل الشعب من أجل البقاء للزعيم، يبقى منظر الرئيسة الكورية ضاغطاً على القلب.. ولا أدري لماذا، هل لأنها أنثى، وتكفي الأنثى خطايا، منذ الخطيئة الإنسانية الكبرى؟!
المصدر : الاتحاد