حقائب صغيرة مسافرة 2

حقائب صغيرة مسافرة -2-

حقائب صغيرة مسافرة -2-

 صوت الإمارات -

حقائب صغيرة مسافرة 2

بقلم : ناصر الظاهري

في ظل الحقائب المسافرة، والتي تزداد في كل مدينة حقيبة جديدة، والأسباب حمى الشراء، وكأن العجوز في بقعة منقطعة، وكأن أولادها لاجئون على الحدود الألبانية، طبعاً من سيعتل كل هذه الحقائب؟ ومن سيحمل على ظهره كل هذه الأكداس؟ الأم عذرها أنها تشقى كل يوم ملبية طلبات الأولاد، والشغّالة ليتها تستطيع حمل نفسها، لم يبق إلا ذاك الأب الذي يدفع، وهو الذي سيحمل، وهو الذي سينزل، وهو الذي سيبقى حارساً لتلك الحقائب المتكاثرة والمتناسخة، وهو من سيتكفل بدفع وزنها الزائد، كل تلك الحقائب في جهة، وحقيبة «الحور» التي تسكّن فيها دماها المفضلة، والتي «تشالي» بها من مكان إلى مكان، وتركبها معها في قطار أو سيارة أو طيارة، فتزيدك أنت أيها الأب زحمة، وتعرقاً، وتصبح عتّالاً لتلك الحقيبة الوردية، لا تفارق يدك بأمر من تلك الصبية التي تحبو نحو السادسة، ولا تريد أن تتخلى عن الدمى، وتعرفها بأسمائها.

أروى البنت الكبرى كثرت أسئلتها الواقعية، مع بداية مرحلة النضج، وكثرت معرفتها بأضداد الحياة، لِمَ هذا الرجل فقير؟ وما دام هو فقير كيف يحمل مظلة؟ أو لِمَ هذه المرأة الفقيرة تعيش في الشارع، ولديها أولاد كثر؟ لماذا هذا ليس عنده مثل أبي؟ تماماً كما كانت تعتقد وهي صغيرة أن كل بلد تزوره عندهم الشيخ زايد يرعاهم ويحكمهم، أسئلة أروى «الوجودية» تربك الأم، خاصة إذا ما قاربت السماء، تظل تستغفر ، وتخاف أن تجيبها عليها، تماماً مثلما تخاف من أجوبتي، باعتبارها أنها «راعية دين»، وأنا «لكم عليّ شوي.. راعي داعسج، وراعي كتب»!

منصور بعكس أخواته، قليل الأسئلة، ويميل للصمت، وله لحظات تأمل بعد الاستيقاظ، وأثناء التجوال بالسيارة أو ركوب باخرة، وهي ميزة أحبها فيه، لأنه يشبهني في هذا، وحدها الأم تظل قلقة من هذه العادة، ودائماً ما تردد: شو فيه ولدي هالشكل؟ وحين أجيبها أنه ورثها مني، تصرخ لا إن شاء الله ما أتمنى له يطلع كاتباً أو صحفياً أو سينمائياً، فأضحك منها وعليها، وأقلق من أمنيتها، فدعواتها أن يصبح شيخ دين، وإمام جامع كجدها لأمها الذي هو قدوتها في الحياة، فقد حاز نعيم الدنيا، وثواب الآخرة! فأضحك ثانية: كيف شيخ دين؟ وهو من صغره يصيح يريد «آيفون، وآيباد»، ويختل إذا ما شاف مضيفات الطائرة، فتستغفر، وتهرب.

في السفر تتفتق مواهب الأطفال، وتبنى شخصياتهم، غير أن بعض الأهالي يظلون مثل المدرسين التقليديين، لا تفعل هذا، ولا تخرج من هنا، ولا تلعب بذاك، ووصايا كثيرة، وربما كبيرة تفوق وعيهم وأعمارهم، وتربك سير حياتهم الطبيعية، والبعض لا يحترم رغبات ومتطلبات شخصية كل واحد منهم، يريدونهم أن يكون سواسية وأسوياء، قناعتي أن الإنسان يبدأ يبني شخصيته منذ الصغر بما يمنحه الله من هدايا ومواهب، وربما إشارات إلهية للتوجه، يغذيها بالمعرفة والمعارف والاختلاط والتجارب، وحظوظ في أكثرها، وربما مساوئ في أقلها، أن يكون له في حياته أبوان على قيد الحياة واعيان ليرشداه أو غير مسؤولين ليطبعا حياته بالشر، وسوء المنقلب!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقائب صغيرة مسافرة 2 حقائب صغيرة مسافرة 2



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates