حياة خفية بلا شواهد

حياة خفية.. بلا شواهد

حياة خفية.. بلا شواهد

 صوت الإمارات -

حياة خفية بلا شواهد

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

 

خرج فيلمان جديدان عن الحرب العالمية الأولى والثانية في السينما العالمية، وهما فيلمان مختلفان، لكن ما يجمعهما تلك الحرفية المتناهية، والصناعة الفنية الجميلة بحيث تشعر أنهما صنعا بحب عن زمن الحرب، وكلاهما ترشح لجوائز عالمية، وحظي بمشاركات في مهرجانات دولية، الأول: فيلم «1917»، وهو ممتع وفيه دعابة سوداء، وأقرب للواقعية، والآخر الفيلم الرائع كأنشودة بصرية، فيلم «A Hidden Life» أو حياة خفية للكاتب والمخرج «تيرانس ماليك»، وتقوم فكرة الفيلم على كيف يمكن للإنسان الصالح والبسيط أن يبقى حراً، ولا يشارك في حرب ابتدعها «نازي» ليخرب بها العالم بداعي سؤدد العرق الآري، هي قصة ذلك الفلاح النمساوي الذي يجند بالإكراه في صفوف الجيش الألماني، رافضاً الولاء والقسم لرجل احتل بلده النمسا، ورافضاً حربه التي أشعلت العالم، ولو أدى الأمر إلى إعدامه، ورغم تعاطف محامي الدفاع، وعقلانية القاضي العسكري، إلا أنه رفض المساومة، وتردده في القبول أو للرفض حسمته زوجته الفلاحة المخلصة بأن يتخذ قراره بالسلب أو الإيجاب المهم أن لا يندم على شيء بعدها، وهي قابلة بقراره، لأنها ستحبه على الدوام. الفيلم لوحة فنية يتكامل فيها الصوت والموسيقى والتصوير الرائع، والتمثيل الراقي، والحوار المنتقى بعناية أدبية، و«المونتاج» السلس، ورغم أنه فيلم عن الحرب إلا أنك لن تشاهد رصاصة واحدة أو مشاهد قتال أو دماء متناثرة وجروحاً غائرة، حتى العنف غاب في «المونتاج» الذكي، والموسيقى والصوت المساند. بعكس فيلم «1917» الأحمر على الدوام، في فيلم «حياة خفية» ثمة لقطات للطبيعة الريفية بكل تجلياتها في قرية نمساوية تكاد أن تكون بدائية في كل شيء، هناك رصد للكاميرا لتفاصيل دقيقة حتى إنك تشعر أن معظم الشخصيات في الفيلم لا تمثل، وكأنها منتمية للمكان، هذا الفيلم يتبع موضة السينما الجديدة، حيث رجعت الأفلام الفنية لا التجارية إلى الطول، إذ تبلغ مدته تقريباً ثلاث ساعات.
الفيلم فيه الكثير من الرسائل والإشارات لتكريس مبدأ السلم والتسامح وفهم الآخر، واختلاف مبدأ الوطنية، وتقديم أن الخير قد ينهزم للحظة، لكنه ينتصر حتماً في النهاية، وأن الخير وحده يحتاج لدفع الضرائب والتضحيات لكي يسمو، في حين الشر نصره آني ووقتي، لكن لا مكانة عالية ودائمة له، ويبدو أن المخرج قد استهلك زمناً طويلاً لصياغة فيلم بهذه الحساسية الفنية المرهفة، وهو في النهاية إهداء لكل أولئك الذين كانوا يعيشون حياة هادئة، فأخذتهم الحرب في سعيرها، ودفنوا مع أسرارهم الصغيرة، وحيواتهم ذات التفاصيل البسيطة في قبور لا يزورها أحد، ولا توضع ورود على شواهدها، لأن لا أحد يعرف من في تلك القبور المنسية، والتي بلا شواهد، والمخفية سيرتها في عبثية الحروب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حياة خفية بلا شواهد حياة خفية بلا شواهد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates