بقلم : ناصر الظاهري
النفس يرضيها ما يفرحها، ولو كان بسيطاً، فلا تحرموها من صغائرها، ولا تثقلوا عليها بالكبائر، ولا تغثوها بمشكلات اليوم، وتفاصيله المنغصة، لأنه يزيد من شقائها، وتعبها، دعوها للمعضلات، وما يخبئ الوقت، حينما تحتاج عظائم الأمور إلى أكباد سود، لأن كثيراً من الناس يصبحون على التوتر، ويجعلون من كل أمر بسيط غاية المسألة، فلا التوتر حل المشكلة، ولا النفس طابت بيومها.
لا شيء مثل تلك الطبيعة والتلقائية والبساطة التي نمنعها من أن تسيّر ساعاتنا، فنجبر نفوسنا على أشياء لا ترغبها، ويمكن أن تؤجلها، وقد تنساها فلا تتذكرها، ونحيّدها عما يمتعها، وينعمها، ويدخل البهجة إليها، ولو كان مثقالاً من خير أو قدر شق تمرة أو مفحص قطاة.
ترى النفس شخصاً فنرغمها أن تلبس قناع النفاق له أو قناع الخجل منه، فتماشيه لحين مضطرة ومجبرة، وحين يغادر ذلك الشخص بثقله وكدره، وطاقته السلبية المحيطة به، تجد النفس وحدها تخرج ذلك النَفَس العميق والطويل بحثاً عن الرضا، والخفة في الحياة، ترغمك مظهريات العمل التجاري الناجح، كما يشاع أن تصلب عودك لساعة ونصف الساعة وأنت تتزعم ذلك الشاي الملغ في ردهة الفندق الكبير، تقليداً لشاي الإنجليز فيما بعد ظهيرتهم الرخوة، وإخلاصاً لحياتهم الأرستقراطية المملة، وأنت بخفة الطائر، تحب شاي ذلك الهندي بالحليب الذي على طريق العين أبوظبي مثلاً، ولا تكتفي بل تهفّك نفسك على طلب «سندويتش براتا مع بيض وجبن» معه، لكننا في عز شهقة فرح النفس، نعاندها، ونمنعها مبتغاها الذي كان سيفرحها، ولو كان أمراً بسيطاً، مثل «شاي كرك» على قارعة الطريق.
تصل بريدك كثير من دعوات السفارات في عيد استقلال بلادها، تتمنى أن تشاركهم فرحهم، وتتمنى لو أنك في ذلك الوقت في بلادهم سعيداً بشوارع مدنهم، فليس أجمل من فرح مشترك، غير أن تلك الدعوات تتشابه، وتتكرر، ولا جديد في حديث الدبلوماسية الحذر والمتنصت، والأشخاص أنفسهم الذين التقيتهم العام المنصرم يقدمون لك اليوم بطاقات التعارف نفسها دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء تعميق تلك الصداقة العابرة أو يزيد من حرارة المصافحة التي كانت ليلتها بلا داع، وكأن واجب الابتسامة المجانية، وذلك الشعور الذي يوحي به لك الآخر أنه يعرفك بعمق ضروري لتلك المناسبة.
قادر أنت أن تؤذي النفس بأقنعة ليلية لكثير من الأشخاص، ولكثير من المناسبات، وأقنعة نهارية لضرورات العمل، وتخليص مشغولياتك، وقادر أن تجعلها تسير على سبحانيتها، وباتجاه دروشتها الصوفية، بعيداً عن الأذى، وفي حب الناس، وحب نفسك أيضاً، ولا تعتقد أنها أنانية، وإن كانت فإنها أنانية لا تضر أحداً، وتعطي لنفسك راحة تستحقها وترضيها.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد