أنثى لها رائحة الحرب

أنثى لها رائحة الحرب

أنثى لها رائحة الحرب

 صوت الإمارات -

أنثى لها رائحة الحرب

بقلم : ناصر الظاهري

استوقفتني مرة.. امرأة في منتصف العمر على زاوية شارع جانبي في مدينة «بورصة» التركية، كانت، وكأنها تحمل حاجيات الدنيا في صرّة، وشيئاً منها كثيراً على جسدها، اعتقدت لأول وهلة، أنها ربما شحاذة من اللاتي يقفن يتصيدن المارّة، طلباً لصدقة، توقفت وقلت: لأمد لها مما تجود به اليد اليمين دون أن تعرف أختها الشمال، غير أن النظر لوجهها أخجلني، وأربك خطوتي، ثمة وضاحة في المحيا، ونعمة بادية عليها، وسمنة لا توحي بفقر مطلقاً، طالعتني، ربما أدركت تعثر خطوي، وثمة أسئلة تكاد تنّطر من صدري، ثم فجأة جفلت، وجحظت عيناها، فظهر بعض التهيب عليّ، وكدت أتراجع خطوة للوراء، وأول تعليق كاد يظهر مني أن هذه المرأة بها مَس من الجنون أو الاضطراب الاجتماعي أو علّة نفسية، أخرجتها إلى الشارع، واكتفت بمراقبة الناس وضجيجهم، ومرور السيارات الكثيرة فارغة أو محملة بأشياء أو ببشر، وكانت تلك من لحظات تأملها وشرودها، تاركة كل الأمور تمر أمامها غير حافلة بها أو مستمتعة بها.

حاولت أن أتجاوزها، تاركاً فرصة لردة فعلي إنْ أقدمت على فعل شيء، لا تستطيع أن تقدره، وهي في حالتها، وأقل أمر أن تحذفني بشيء في يدها أو تصرخ بهستيرية أو تكيل سباباً على الحياة، وعليّ، تقدمت تاركاً لعيني مساحة جانبية تستطيع أن تقرأ فيها الفراغات، واحتمالات الاعتداء، مرت الثواني طوالاً، وأنا متحفز، وبي شغف أن التفت للوراء، لقد وضعت تلك المرأة سراً من نفسها فيّ، ولم تسمح لي بمغادرتها ومغادرة المكان دون أن أفهم أو أحاول أن أضع مقاربة لبعض أمور الحياة التي تصادفنا على نواصي الطرقات، ولا تتركنا نمر مرور العابرين.
باعدت بيني وبينها الخطوات، هي ماكثة في محلها، وأنا مدبر بظهري، ثم استدرت، وظللت أراقبها من بعيد، لكنه كان مشهداً ناقصاً، حتى وجدت زاوية نظر، تمكنت في النهاية أن أروي ظمأ الدهشة والفضول وشغف المعرفة، وجلست أتأملها من قريب وبعيد، وهي تفتش حاجيات الدنيا الباقية، وهي تؤشر لبعض السيارات المسرعة، وهي تتبع ظلال بعض المارين بعجل، وهي تجلس متكئة على أحمالها، مادة رجليها لتستريح، كانت مشاهدها صامتة، ولا ثمة لغة تخرج منها، فقط عيناها كانتا المرسال للآخرين، وجمود صمتها له بعض الإشارات نحوهم، ونحو هذه الدنيا الجاحدة، والتي لا تعترف ببراءة الأمور كثيراً.

وحين حمت الشمس، وغدا كل شيء بطول ظله، غادرت تلك المرأة حاملة ما بقي من أمتعة الدنيا، وأوزار الحياة، نحو جهة ما، لعلها أضاعت فيها ولداً كان فرحة القلب، وضحكته، أو زوجاً غدر بكل الحب، ولم يقل حتى وداعاً بارداً، ولم يتبعه ظل اعتذار لفترة دفء يتذكرها، ربما هي من حرائق حروب تستعر، جارفة الإنسان لكهوف الشر، ونهش الغاب.

غادرت تلك المرأة ذات المحيا الوضّاح، والسمنة المحببة لامرأة نسيت أنها أنثى، تاركة شيئاً منها فيّ، ولا أريد أن أتخلص منه للأبد!

المصدر : الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنثى لها رائحة الحرب أنثى لها رائحة الحرب



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية

GMT 07:50 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

14 منطقة حول العالم تشبه مدينة "البندقية" الإيطالية

GMT 11:42 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مواطن إماراتي ينجح في اصطياد 3 أسماك ضخمة أحدها طولة 3 أمتار

GMT 23:51 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

فوائد تناول الزعفران يوميًا يعالج امراض القلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates