بقلم : ناصر الظاهري
هناك شخصيات تريد أن تظهر نقية من الحياة، أو هكذا يصوّب لهم رأيهم، فكل شيء يحدث لهم بسبب الآخرين، ولولا عين فلانة التي ما صلّت على النبي، لكان ما أصاب ابنها البكر، قرّة عينها، مكروهاً، وجعله يتغيب عن المدرسة أسبوعاً، لا تفكر مطلقاً تلك المرأة اللوّامة أن ابنها ربما أخذ عدوى من زميل له مصاب بالحصبة أو الحمجة، الهواتف النقّالة، خاصة الذكية، تريد معاملة لطيفة، وفهماً ودراية بالتقنيات الفنية في أبسط الأحوال، فجأة لسوء الاستخدام علّق نقّال أحدهم، فتجده تحول من حال إلى حال، غضب دون تبصر، ووجّه اللوم والسباب على «اتصالات»، وكلما تأخرت مشكلة هاتفه ولم تحل، غاص عميقاً، واستخرج أرباح «اتصالات» في العام الفارط، وأنها تتربح على حساب المواطن، وأن خدماتها لا تساوي الذي يدفع لها، في حين كل المسألة كامنة في سوء استخدام الجهاز، إما سقط منه أو تسرب إليه ماء، ولم ينتبه، لكنه لا يريد أن يسمع ذلك أو يسمّع نفسه ذلك، وهكذا دائماً يختلق أصحاب الشخصية اللوّامة أعذاراً واهية لأنفسهم، ويركبونها على الآخرين ببساطة ليرتاحوا من تأنيب الضمير أو أحاديث النفس اللوّامة التي في داخل الإنسان، وقد يصدق قول الشاعر فيهم:
عاجز الرأي مضياع لفرصته..... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
هؤلاء الشخصيات، سواء أكانت امرأة أم رجلاً، تجدهم متسرعين في الحياة، وأياديهم في كل مكان، ولا ينصتون إلا لصدى صوتهم، وعادة ما يتهمون الحياة والحظ، لذا أغلاطهم بالجملة، لذا اخترعوا تلك الحيلة، وهي إلقاء الأخطاء على الطرف الآخر، سواء أكان منظوراً أم متخيلاً.
وإذا تحدثت لأحد هذه الشخصيات اللوّامة، وقلت له إن الحياة لا يمكن أن تسير كما تريد أنت، صحيح أن هناك أسباباً ومسببات، ومقتضيات الحال، ولكن دع لنفسك نصيباً منها، فالضباب قد يتسبب في حوادث، لكن أين من هذا السائق العاقل والملتزم بتعاليم السير والمرور، وأكثر اللوم يتم بين الزوج والزوجة، فإن بار الابن، لام الأب الغائب الأم الحاضرة دوماً، واستل مثلاً شعبياً بائراً: «الحرمة ربّت ثور وما يزر»، والزوجة أحياناً لو ينكسر كعب حذائها، فأول ما يتبادر لذهنها زوجها الذي استغلى الحذاء، وظل يتعذر ويسوف، رغم أنه «ماركة، وهابّ هَبّة»، وأنه اشتراه بعد مشقة، ومن وراء خاطره، وهو يتحرطم، أما إذا أحد «شخط» سيارة الحرمة أو صار لها حادث، فتيقن أن كل اللوم ستضعه على الآخر، وستخرج تسب وتلعن، وتجعل وجه ذلك المسكين مثل «اللومية اليابسة»، حتى ينقذه «ساعد»، ويسجل الخطأ على المرأة، حينها ستدفعها شخصيتها اللوّامة أن تقول: إن سواقتها أحسن من كل صديقاتها، ثم ستفتش عن عذر آخر، وهو شدة الحر هذا الصيف أو أنها كانت مستعجلة ذاهبة للمستشفى، المهم أن تبرئ النفس، وترمي الآخرين بشررها!