بقلم : ناصر الظاهري
بعض البلدان تسعى لأن تكون سجناً كبيراً لأبنائها، خاصة دول النظام الشمولي، فتجدها تصرف على السجون أكثر مما تصرف على إنشاء صروح الثقافة والفنون، وتظل تعلف مساجينها أكثر مما تطعم أولادها الفقراء، هذه البلدان تظل تتفنن في اختيار أسماء السجون، لكنها بالتأكيد هي أسماء خالية من الرحمة والعطف، وتتعجب مرات حين تعرف أن عدد المساجين يربو
على عشرات الآلاف، بعضهم محكوم عليه بالمؤبد مرات ومرات، يعني من سجنه إلى قبره، الاتحاد السوفييتي كان أكبر سجن في العالم، حتى امتدت سجونه إلى أقصى الشمال والجليد سيبيريا، ألمانيا في الأربعينيات كانت تعج بالمساجين من كل الأجناس والجنسيات، ولم تكتف فأقامت سجوناً في الهواء الطلق على شكل معسكرات، جنوب أفريقيا سجن ومقبرة الوطنيين، ومناهضي التمييز العنصري، إسرائيل تعد سجناً كبيراً بدرجة امتياز، فهي تسجن نفسها في «كيبوتسات» وتحوطها وتسورها بالجدران والمستعمرات، ومراكز الرصد والمراقبة، والأسلاك الكهربائية والشائكة، وتسجن السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وداخل الجدار، وفي سجونها الكثيرة، بعض البلدان العربية ذات السجون المزرية، السيئة السمعة، والتي هي أشبه بمراكز
تدريب على الإجرام، وتخريج مجرمين مع مرتبة التشبيح أو فلول النظام. المساجين بعضهم يموت في زنزانته من البرد والسل وسوء التغذية أو يموت بالسم الموضوع في العسل أو على يد مجرم مدسوس، وكأنه شجار شخصي، أما الشهادة التي تظهر من السجن موقعة من عشرات السجانين، فكلها ترد أسباب وحالات الوفاة للمساجين إلى أنها طبيعية، بعض المساجين يشتهر من خلال سجنه، ويصبح قضية يتابعها العالم، ويساهم في تحريره، وقد يحكم بلاده بعد أن يكون قد قضى ربع قرن في زنزانة أصبحت لها من الشهرة ما لصاحبها، كما حدث مع
مانديلا، ويمكن أن يكون السجين رئيس دولة، ولكن انقلاباً أطاح به، وزج في سجن انفرادي، كما حدث مع أحد رؤساء سوريا، حيث مكث في سجنه إلى يوم يبعثون، وكان وحيداً لا يتكلم مع أحد حتى نسي اللغة، ثم فقد النطق والكلام، أما أشهر سجن في التاريخ فكان سجن الباستيل إبان الثورة الفرنسية، وحين هدم لم يجدوا فيه إلا سجيناً واحداً، الفرق بين السجين العربي
والسجين الإسرائيلي هو تماماً كالفرق بين يهودي واحد يساوي 500 عربي، أو ببساطة، كل الدول العربية لن تتعب نفسها، وتبذل قصارى جهدها، وتبث جواسيسها ومخبريها من أجل إنقاذ مواطن عربي سجين، كما فعلت إسرائيل مع جنديها شاليط، وستنساه، وتطلب من أهله أن لا يتذكروه، لأنه إن لم يعد أو مات، فكله فداء للوطن الغالي المعطاء، ولن يضيف سلوم مثقال خردلة في الإسلام، بينما إسرائيل تظل تطالب وتساوم وتبادل حتى ولو برفات جنودها الذين أصبحت عظامهم مكاحل، لأنها ببساطة تحترم مواطنيها الأحياء منهم والأموات!
المصدر : الاتحاد