تذكرة وحقيبة سفر  2

تذكرة.. وحقيبة سفر - 2

تذكرة.. وحقيبة سفر - 2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر  2

بقلم - ناصر الظاهري

السفر تحت جنح غمائم ماطرة أو سماء هاطلة، السير على أرصفة من حجر مبتلة لامعة، الاحتماء بمقهى كان يسرّب لك أنشودة المطر من خلال نوافذ ساهرة، متعة تلك الحدائق العامرة، ورائحة أوراق الشجر حين يبلّلها الماء، وحين تزاغي أجنحتك المسافرة، تستدعيك لتبصرك أن المطر في المدن أغنية ثانية.
- مطر في ليل «بودابست»، ونشوة عشاء في قلعة تاريخية، وذاك الصمت الخاشع بين المطر والحجر، والسير على دروب الخيل العتيقة تنتقي لحذائك اللامع أماكن لم تغمرها المياه، تبدو في مشيتك تلك كراقص باليه بدين أو مخفوراً بما تعتق، تترنح كسجين حزين، ليلتها كان المطر، وكانت تلك العناقيد المتدلية من ثقلها تقطر عنباً مصفى، فتتلاطم أمواج بحور الشعر لسعدي والشيرازي والخيام ابتهاجاً بظل مولانا جلال الدين الرومي البارد، والذي يبارك تلك الجدران الحجرية، صاهلاً بصوفيته: «مرده بدم.. زنده شدم.. وز طرب آكنده شدم»، أتيه فرحاً لأني بعثت من الموت إلى الحياة.
- مطر في باريس كرذاذ على عنق أنثى، يباغتها، فيجد كل النوافذ والأبواب مفتوحة له، باريس لا تخجل من مطرها، وحدها من تضفي عليه شيئاً من ألقها، كانت صباحات سترت شيئاً من مطر الليل، وأمسيات باحت لذلك القادم بطُهر الأشياء، الناثر الخير على قلوب العشاق، ليس مثل مطر في ليل، وفي باريس، لا تتقيه إلا بشعر امرأة خبأت فيه عطرها.
- لا فرح يذكر لمطر لندن، ولا لمطر في الهند، ولا لتلك المدن الآسيوية التي تخبئ أطفالها ومئونتها إنْ دنّت رعودها، وبرقت سماءُها، لا نشوة لمطر يبقى أياماً طوالاً في مدن تشعرك أنها تهرب منه، وحدك كان يعني لك مطر تلك المدن، وكأنه أغنية أزلية بين الأرض والسماء، وحدك كنت تترنم بفرح تلك المفاجأة الماطرة.
- لمطر الصحراء براءته، مثل ماء على حرقة العطش، مثل التقاء الأشياء بصدق، مثل فرح جماعي لا يتكرر، يوسم الكل والجميع بدغدغة باردة، وكأنه يوقظ الضحك الساكن كرماد في الصدور، يعيد ترتيب الكل والجميع، ويعطيهم رونق ألوانهم حين كانت الحياة صلصالاً يتشكل، مطر الصحراء إنْ انقطع دعوا وطلبوا وألحوا في الدعاء وسجدوا، وإنْ نزل قامت له طقوس ونيران وأغانٍ، ورقصات كانت عطشى.
- السفر تحت صبيب المطر، والسفر في المطر، وما يجلب من تداعيات تخبئها الذاكرة له، هو سفر من نوع آخر، ولا يتكرر.

المصدر :

صحيفة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر  2 تذكرة وحقيبة سفر  2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates