بقلم : ناصر الظاهري
قال مولانا العلاّمة، النحرير الفهّامة، الحافظ أبي حجامة، إنه كثر في الآونة الأخيرة استعمال كلمة «طرّ» دونما حاجة أو فهم أو تبصر أو ملامة، حتى أصبحت تجري على الألسنة مجرى سيل الغمامة، فأردت توضيح أمرها، وجلي خبرها، فهي من فصيح العرب، وليست من الرطانة، فأصلها طرّ، وهي صوتية، وتعني شتر الثوب المخيط أو القماش أو العمامة، وطرّ شارب الغلام، ظهر وأخضرّ، وأصبح لبلوغه علامة، وطرّ في عامية البصرة، وأهل الكويت تعني شحذ، وأراق ماء وجهه بذلة ومهانة، والطرّار، ربما سمي بذلك لارتدائه الأسمال البالية
والأثواب المشققة المطرورة، غير أنه في حاضر وقتنا، وساعة عصرنا، وجدنا فتيات التقنية والتقانة، والشباب «الفيسبوكي» يمطون طرّ، كل حسب معناه ومبناه، ولزوم تعجبه واستفهامه، فإن صادف غلامة تتبختر في مول أو مغازة كما يهذر بها أهل شمال المغرب أو في دار الخيالة أو رأها راجلة تتوكأ على كعب عال، وتنضح عباءتها على كتفها، قال واصفاً تلك الفتاة بأنها طرّ، وإنْ صادفها في مقهى «ستاربكس» تحتسي قهوتها أو شيكولاتا، ولم تعطه ذاك الوجه الناعم، والثغر المقوّم الباسم، قال: تتحسب نفسها طرّ، وإنْ سادت عليه بسيارتها وارد ألمانيا، وهو يكد سيارة كورية مرهونة الملكية، وكحيانة، أخذته العزة بالإثم، ووصف سيارتها بالطرّ، وتعالى عليها كالطائر الحرّ، وإنْ «تشاتوا» شبان هذا الوقت عبر الهواتف الذكية، فلابد بين كل جملة وجملة، وجود كلمة طرّ، حتى أن بعض الناس المتأمرتين يبدأ بطرّ، ثم يكمل جملته الصحيحة، وبعض الشباب لا يمشي من دون أن يمضغ «طرّ»، ويمكن أن ينسى الواحد منهم الـ«آي فون» في يومه، ولا ينسى «طرّ»، ومنهم من لا يمكن أن يدخل البيت ويده خالية من طرّ، وعلى رأي الفرزدق: طرّ
.. لا رميت إذ رميت لا حور ولا حجل، وعلى رأي مطربة الجماهير، والمتنزهات، والصالات المغلقة: أركب الطرطور.. وأترّ ترّ، وقد هالني مشهد طالبة وهي تُسأل من مذيعة فيتنامية، ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ فأجابتها: أحب أن أكون واحدة طرّ..
ذات مستقبل زاهر، وثغر فاغر، وخد باهر، فتعجبت يومها الفيتنامية أيما تعجب، ثم ولت الأدبار، ومرة سئل مثقف عن ما هو الفرق بين طرّ وزرقاء اليمامة، فألجمه السؤال، ولجّ في الجواب، فأردف دونما خجل: إنهما شخصيتان عاشتا في العصر الجاهلي، وأهل الإمارات تسمع منهم: طرّ.. ثوث، وطرّ.. فشانه، وطرّ.. قعانه، وطرّ.. شوم، وأشهر أكلة فرنسية تعرف بـ«tar..tar» ومن الأغاني: «طرّ.. طرّ زماني، يا زماني طرّ.. طرّ.. طرّ.. طرّ.. تني خليتني أطرّ.. طرّ» وكان طه حسين قد أنكرها، حينما سئل مرة عن موقع طرّ من الإعراب، و«الريال» هذا العام بصراحة، طرّ، و«رونالدو» لا يمكن أن نصفه بغير طرّ، وعلى رأي المتوصف الأوليّ، قال: طرّ، قال: قايس!