بقلم : ناصر الظاهري
حين تتبادى بتلك التنورة الزرقاء الليلية، والقميص الأبيض النظيف، زي المقهى، لا يمكن أن تتخيل «مازارين» إلا أنها مبكرة نحو مدرستها الثانوية، وناسية «شنطة» كتبها من عجلتها الصباحية، وجهها لا يشي إلا بأثر النوم، وكسل الاستيقاظ المكرهة عليه، غير أنه يعطيها بريقاً أنثوياً يشعرك بالارتواء، وتود لو أنك تقدر أن تستشعره بأطراف أصابعك كالهمس مثلاً، تود لو تعرف وجهة سريرها، ماهية الوضع القطني الذي يغطيه؟ هل ثمة شباك في غرفتها يفرح بالفجر والريح والورد؟ ويقول لها: صباح الخير كلما سمحت لنسمات الشارع المحوط بالشجر أن يدخل ريحه الباردة، هل تنام في ظلمة تغشاها الموسيقى وتخيلات المساء؟ هل تأتي متعبة في نهاية اليوم، وتفكر بالأهل البعيدين عن فيينا؟ هل ثمة بريد يحمل لها رسائل، وهدايا المناسبات؟ ما علاقتها بالتكنولوجيا، هل ثمة «مسنجر أو فيسبوك وبريد إلكتروني»؟ سأشعر بالارتياح إن كانت بعيدة عن تلك الأشياء المزورة بالنسبة لبنت رضعت من الكنيسة، وظلت تتربى على أيدي أخوات متبتلات.
أيقونة.. يتمناها عامل مهاجر في تلك البقاع الباردة والقاسية على رجولته كصخر، لكنه مستعد لأن يعبر ذلك المضيق لمثل عينيها، لكنها تظل كحلم اشتهاء القهوة حين تعنّ على الرأس المهاجر، يتمناها سائح بائس، بالكاد وصّلته أمواله التي يجمعها طوال العام لهذه المدينة، ويرغب في مغامرة مجانية، تعيش في رأس فنان، توقظ ريشته وبهاء ألوانه، ويريد أن يرسم تلك اللحظة، لكنه حين يعود مخموراً يهاجمه الكسل، وتحطمه تلك الموهبة التي لم تكتمل، يجلس شاعر بالساعات يمتص رحيق قهوته، ويسبح في ذلك الوجه الملائكي، ويريد أن يقول شيئاً كثيراً مما يمتلئ به قفصه الصدري من كلمات، عازف الكمان الذي يعبر الشارع، ويتوقف عند المقاهي، ويجعل من خيارات اليوم أنغاماً على وتر كمانه، كأنها لها.
أيقونة.. تتعب نهار الجالسين، ويرغبون في تفاصيلها، أو يفصّلونها على قدر أحلامهم البعيدة والقريبة دون أن تدري تلك المسكينة، مثلي كنت أرغب في أن أعرف كيف تشرب قهوتها؟ كيف تجلس في استراحتها؟ كيف يمكن أن تضمها المدينة في ساعات فرحها وضجرها؟ أتمناها لو أنها لم تعرف الدموع يوماً، مثل تلك الدموع التي تأتي إن اشتغلت المرأة الجميلة في مكتب بنكي قاس، يركض وراء الوقت والأرقام.. أو أخفاها مكتب هادئ في شركة استثمارات قد لا تتقي الله.
حين قرأت اسمها الطويل المعلق على رصيف صدرها الأيمن، شعرت بخشونة اللغة، وفضلت أن تبقى على اسم مازارين، وتظل حلم الناس دون أن يذهبوا بها بعيداً أو يغرقوها في وحل المدينة، فقد كان في ذلك المقهى ذئاب وضباع ترتدي قفازات من مخمل، لكنها لم تتخل عن طبيعتها الافتراسية.. وتلك البريئة مازارين كنت أخاف عليها طعم ثمرة الإغواء المشتهى لتلك الشجرة القريبة المحرمة!
المصدر : الاتحاد