بقلم : ناصر الظاهري
مثلما للقهوة في معظم المدن طقوسها، وما يرتبط بها من عادات اجتماعية، ورموز وملامح ثقافية متعددة، كذلك الشاي الذي جاء بالتأكيد ثانياً من حيث الريادة، فالقهوة سبّاقة، إلا إذا كان عند الهنود والصينيين كلام آخر، وإذا ما اتفق الصينيون والهنود على تقديس الشاي، غير أنهم يختلفون فيه، وفي طريقة تقديمه، وما يترافق معه، فالهند أكبر بلد منتج للشاي، وشاي الهنود لا يعلى عليه، خاصة إذا ما خلط بالحليب أو الزعفران أو الزنجبيل ، فشاي «الكرك، وشاي باني كمبتي»، تخطت شهرتهما بومبي إلى دول الخليج وعدن، ففي الهند يمكنك أن تشرب الشاي في كل مكان حتى على قارعة الطريق، لكن الاستعمار الإنجليزي أعطى للشاي الهندي وقتاً مقدساً، فصار شاي الخامسة مساء أمراً يُقدّره الجميع خاصة الطبقة الأرستقراطية، ونزلاء الفنادق الفاخرة في العاصمة البريطانية والعاصمة الهندية، قليل ما يشرب الشاي بلا حليب في الهند، أو ما نسميه الشاي الأحمر، ويسميه البعض الشاي الأسود، حيث تكاد القارة الهندية تجاوزاً تتشابه في نوعية الشاي وتحضيره من سيريلانكا إلى النيبال إلى باكستان وبنغلاديش، ويحبونه بالسكر، والسكر الزائد.
الصينيون يفضلون الشاي الأخضر وبدون سكر، ويشرب قبل وجبة الطعام وخلالها، وله طقوس تحضير رهيبة وأنواعه عديدة، ومن زهور شتى، أما حالات تحضير الشاي الياباني فهذا إرث عريق، وقد بدأت به اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وضربها بالقنابل النووية في تحسين صورتها أمام العالم، وتقديم الذات اليابانية الراقية، فلم تجد سفيراً مسالماً ويقبله الجميع مثل الشاي وحفلات وطقوس تقديمه.
كل البلدان منشطرة إما حب الشاي أو حب القهوة، ما عدا تركيا، والدول التي سبق وأن حكمتها إبان توسعها العثماني، حيث تجد الشاي ينافس القهوة، وكلاهما حاضر للضيف، والشاي التركي معتبر، وتجد المماثل له في العراق وفي إيران حيث يقدم الشاي المثَوّر على الحطب إما خفيفاً أو معتدلاً «سنغين» وإما غليظاً «طوخ»، ويشرب في «استكانات» شفافة، وتمضغ معه قطع من سكر القوالب، توضع تحت اللسان أو في طرف الفم، وهذه الطريقة موجودة في تركيا وإيران والعراق أما في الجمهوريات الإسلامية السوفييتية قديماً، فيشربون بنفس الطريقة لكن يستخدمون «سكر نبات» أو سكر عدن، أما في بلاد الشام فيحضر الشاي والزهورات والميرمية والمتا المشهورة في أميركا اللاتينية بالطريقة عينها.
بقي الشاي المغربي الذي لا يشبه إلا حاله «اتاي أخضر بالنعناع»، وقد تشربه غليظاً كما هو الحال في الصحراء المغاربية «اتاي صحراوي» أو ملوكياً يرشف رشفاً يسبقه عطر النعناع إلى الأنف، وفي تونس تختص بتقديم شاي الصنوبر، في مصر والسودان يحضر الشاي الثقيل «حبر أبو فتلة أو كشري»، ويقدم حلواً، أما في دول الخليج فالشاي الحليب عادة في الصباح والشاي الأحمر بعد وجبة الغداء والعشاء، ويحضر مع الهيل أو القرنفل «المسمار» أو الزعفران، وفي الشتاء يكون خلاف الشاي بالحليب أو يخلط معه الزنجبيل أو الزعتر أو الحلبة، في حين لم نعرف نكهات الشاي الإنجليزي المختلفة إلا بعد ظهور النفط.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد