بقلم : ناصر الظاهري
مفهوم «الدمكرسة» بالعربية، من ديمومة كرسي الحكم، لعله من مصطلحات الزعيم الليبي «معمر القذافي» قولاً وممارسة، والتي تفرد بها، وأشاعها مثلما أشاع الكثير من المصطلحات السياسية الجديدة على مفردات العربية نتيجة تلك الخلوة، والعصف الذهني في خيمته المشهورة، مثل: «إسراطين» كوطن بديل يضم الفلسطينيين والإسرائيليين، و«الشيخ زبير» قاصداً «شكسبير» وأصله.
منطق الديمقراطية عند العرب، ومقياس الديمقراطية، لا تختلف بين الأفراد ولا المؤسسات، فالعرب والديمقراطية مثل الجني والعطبة وكثيراً ما يعير العرب بعدم وجود ديمقراطية على الغرار الأوروبي والأمريكي، في حين هناك مظاهر للديمقراطية وأشكالها في الحياة العربية والإسلامية عبر التاريخ، لكنها دائماً ما تكون ناقصة أو مشوهة أو غير مكتملة، وتعتمد على أفراد واعين مروا على الحياة السياسية والاجتماعية في بلداننا العربية، أما المنظرون العرب ووعاظ السلاطين فيردون أن أساس الديمقراطية عند العربية مرجعها القرآن في الآيات، «وأمرهم شورى بينهم»، «وشاورهم في الأمر»، وغيرها من نصوص تفردت بها الأحاديث النبوية، وصدّقها فعل الرسول الكريم، ولكن من خلال التاريخ الحديث للعرب، وبعد اتصالهم بالحضارة الغربية، لم تظهر الديمقراطية الحديثة، ولا عرفوها بشفافيتها، وفضلوا اتباع مدارس ومنطق سياسي مختلف، والكل له أعذاره ومبرراته، فمنهم من يرد الأمر للشعوب التي تتصف بالأمية ونسب الجهل العالية بين الأفراد، ومنهم من قال إن الديمقراطية يجب أن تعطى للعرب على جرعات، لأن المجتمعات العربية غير مهيأة ولا مؤهلة، لأنه ينطبق عليهم المثل العربي القديم «محروم وطايح في عصيدة»، ومنهم من قال: علينا أن نفصل الديمقراطية العربية على مقياسنا، ووفق ما نتفرد به من خصوصية في الملبس، لا نريد أن نرّكب قبعة على ثوب عربي، وإلا غدونا «مسخرة» فوق ما نحن عليه من ديمقراطية حارة رطبة صيفاً، جافة، غير ممطرة شتاء.
أما أغرب منطق للديمقراطية عند العرب، ومقياسها الحقيقي عند الشعوب الأخرى، سؤال العربي الحائر والمندهش والمستغرب، والذي يحصر الديمقراطية وفق تلك الجملة، «هل تستطيعون أن تسبوا الرئيس عندكم»، تماماً مثل ذلك العربي الذي ذهب إلى لندن لأول مرة، وشاهد ركن الخطابة في «هايد بارك» فأعتقد أن الديمقراطية البريطانية تنحصر عند تلك الزاوية التي يقول الإنسان، كل إنسان ما يريد، ويرجع بعدها في المواصلات العامة أو يذهب للمشرب مع خصمه والذي تلاسن معه قبل ساعة في تلك المساحة التي تستوعب كل الكلام!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد