بقلم : ناصر الظاهري
- أراهن أن هناك الكثيرين من أمثالي، لا يعرفون سعر ليتر البنزين طوال حياتهم، خاصة وأن هناك تسعيرات فصلية أو شهرية في هبوط وطلوع الآن، مثلما لا يعرفون الفرق بين البقدونس والكزبرة أو بكم ربطة الخبز؟ وحدها مخالفة الرادار يعرفها الجميع، خاصة بعد عدم تخفيضها!
- مرة جلسنا وكأننا من خريجي الجامعات الإنجليزية العريقة، وخطر على بالي سؤال محرج لأولئك «الجنتلمان» الذين يفخرون بإلزامية شاي الساعة الخامسة، ويتبضعون من عند نفس البقال الذي يورد لقصر «باكنغهام»، عن ما هو اسم الطحال بالإنجليزية، فجأة عاد المتفرنجون مثلما كانوا صغاراً غُبراً يتراكضون في الحارة، بعيداً عن عدم لفظ حرف الراء في آخر كل كلمة إنجليزية، ويكادون أن يسفّوه سفّاً!
- هي أشياء صغيرة وعميقة وتنبئ عن أمور فلسفية، لكنها صائبة أحياناً، مثل مشهد أناس من تشوف ظهرهم، وهم مدبرين، يشعرونك أن لا مستقبل أمامهم مطلقاً، وأنهم كانوا كثيري الرسوب في الصفوف الإعدادية، وظلوا كذلك حتى طرّت شواربهم في المدرسة!
- ليس أشد تعاسة، ومرارة في الحلق، مثل سائق حافلة عمومية قبيل المغيب، في آخر توصيلة له، وكآبة كل الراكبين معه بعد شقاء اليوم بطوله منكبّة على أكتافه، يشعرونه أنه كان مقصرّاً في تربيتهم، ورعايتهم على وجه أكمل!
- سألني صديقي وقد تجاوز الستين أنه سيتحول إلى إنسان نباتي، وأن نفسه بدت ترقى، وتسمو عن أكل الجوارح والضواري، فقلت له: لو أن النبات والعشب مفيد لكان لملك الغاب رأي فيه، ولما استمر الأسد في أكل اللحوم، هل نحن أفهم من ملك الغاب، فقال لا: قلت له: هل تريد أن تكون في جثة غاندي، آخر حياتك، تعاف حتى النار أكله، رأفة به، فبان نابه الذي كان مختبئاً!
- جلست مدة في تركيا، واكتشفت أن المسلسلات التركية ليست دبلجة سورية فقط، بل إن المسلسلات السورية منسوخة ومستنسَخة من المسلسلات التركية، حتى أن كثيراً من المشاهد تجدها مصورة بحذافيرها، والمنتجون مراهنون أن لا أحد من العرب يشاهد ويراقب والأتراك لاهون في دوامة مشاكلهم، حتى أنني أكاد أقول إنني رأيت «باب الحارة» بالتركي، ما ناقص إلا الزعيم يقتل مرتين ويعود في فانتازيا الدراما السورية!
- لما معظم الشعراء شَعرَهم طائر، وكأنه تعويذة لربة أرباب الشِعر؟ أم أن الشِعر وعروضه لا يستقيم مع الشعر اللآبد، اتخذوا من الجواهري ونزار ودرويش مثالاً للشَعر وللشِعر!
- لا عزاء لصناع منافض السيجارة، فقد بارت تجارتهم منذ أن تسلطت عليه القوانين الجديدة، وخلت الطاولات من «منفضات السجاير»، اليوم حين ترى واحدة بالغلط في بلد متأخر بالتأكيد، توحي لك باليتم، وبقصيدة «أبي البقاء الرندي» الخالدة:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
ولا يغرّ بطيب العيش دخان
المصدر : الاتحاد