تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر- 2

تذكرة.. وحقيبة سفر- 2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

بقلم : ناصر الظاهري

ذلك العازف أصر أن يستقدمني إلى بيته في إجازته، ليفرح بتقديم وجبة عشاء صنعتها زوجته بطريقة استثنائية، كشأن أولئك الحبشيات الراقصات المزهرات في مسائنا، خادمات المعابد، المندفعات كعربات النار المقدسة، لهن لون قريب من اشتهاء القهوة.

كانت تنزانيا بضجيج المدن بعد ذلك الهدوء وسكينة الشجر الأخضر وغابات الصمت، في مدن البداءة والتاريخ، لقد كانت تحفل بمكنونات المدن، وتلاقي الغرباء من كل مكان، كنت تسمع ترديدات السفن الخشبية، وما كانت تحمله وهي عائدة صوب بحر الخليج من خيرات واختلاط الدموع بالضحكات، كان يومها الإنسان إما فاجراً وإما ضعيفاً، يتراءى لك ذاك الشقاء المرّ لبحارتها على سطوح مراكبهم، وما تخبئه الأقبية الرطبة من نشيج وآهات إنسانية لأسود إنسانية محبوسة، وكانت قبل ذلك تركض في البراري، وترقص حول النار في الغابات، وتغني مع هبوب الريح، وتمايل غصون الشجر، كان يفرحها نزول المطر، وفجأة قيدت بالحديد لتباع في أسواق النخاسة الإنسانية.

كانت زنجبار، وكانت بداية البحث عن صيتها العالي، لقد شعرت أن أحداً نزع عنها عباءتها، وهي اليوم جرداء، تبحث عمن يدثرها أو يعيد لها شيئاً من زهو الماضي، لقد خبأت دهشتها عني أو كنت أنا من رآها في المنام بغمامة السرد وحكايات المساء، لقد وعدتها بزيارة، لكنه طال الزمن، وطال السفر، وكان عهدي بها منذ ثلاثة عقود ويزيد.

ما كان يفزعني في تلك الرحلة قرص الناموس، وضجيج بعوض الليل، وتلك السمعة السمّية لتلك الأشياء الطائرة، خاصة تجاه اللحم الغريب والغزير، لذا كنت أسمع تصفيره حول أذني، وذلك الطنين، فأشعر بالجلد وقد وقف شعره، وصار يستجدي الحك، لذا كنت لا أنام من فرط الحساسية، وما أحمله من أفكار جاهزة عنه، وعما قد يسببه لي من ألم وأذى، والتي عادة ما يأتي بها الليل، ويزيد عليها، فكنت أضرب حول سريري ناموسية مضاعفة الشبكات حملتها معي من أبوظبي، وتكاد تزاحم ملابسي في تلك الحقيبة الجلدية، واشعل مصابيح قاتلة الناموس عند الرأس وعند القدمين، بعدها أدخل في سريري كطفل ما زال خائفاً مما قد يحدثه الليل وأصوات الظلمة، وناموسة غافلتني وتريد أن تنام على جلدي.

ما عدا ذلك.. كانت من الرحلات الفردية الممتعة والتي لا تتكرر اليوم، إلا إن كنت محاطاً بأصدقاء سفر، وبترتيبات معدة مسبقاً، لأن القلب لم يعد بعافية الشباب جرأة، فقد أثقلته الأيام ومتطلبات الحياة، وسكنته مسؤولياتها التي لا تنتهي، كما أن العالم تبدل كثيراً نحو الأسوأ، والإنسان غدا مستوحشاً بعض الشيء، ولا تسيّره الطيبة والفطرة القديمة، لقد كانت رحلة جميلة.. لو قلتم لي اليوم، هل تكررها؟ سأقول لا.. رغم أنها غاية في المتعة والفرجة والمعرفة، لكنني تغيرت حتى أنا، كما تغيرت روائح قرنفل زنجبار!

المصدر : الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية

GMT 07:50 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

14 منطقة حول العالم تشبه مدينة "البندقية" الإيطالية

GMT 11:42 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مواطن إماراتي ينجح في اصطياد 3 أسماك ضخمة أحدها طولة 3 أمتار

GMT 23:51 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

فوائد تناول الزعفران يوميًا يعالج امراض القلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates