تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

أعجب من بغداد التي كانت ملاذاً في سنينها الجميلة للمتعبين الضجرين من الحياة، والمشردين من منافيهم السياسية، والطامحين بحلم عربي قد يأتي من رماد الوقت، وشقاء التاريخ، للباغين علماً مشاعاً، ومعرفة مجانية، ودروساً سخية لكي لا تكون عربياً وجاهلاً، كيف هي اليوم في نواحها اليومي، ونزيفها ونشيجها؟ كيف هي مقاهيها وتناثر المثقفين من حولها وغيابهم القسري نحو أوجاع اليوم وتعب الفاقة، ومحو تفاصيل مدينتهم التي يحبونها كماء عيونهم؟ هو الشوق، وكثير من التوق لتلك المدينة، فيفز القلب كحمامة بيضاء أجفلتها الريح، وخشخشة الورق اليابس، ملقياً ذلك الحنين الذي لم يغب، وطال الغياب، متمنياً لو أنها تأتي تلك الأمنية التي زاغاها القلب بخطفة ملك يوزع البشارات.. خبأت تلك الفرحة الباردة، وأغمضت عيني، وتذكرت عادّاً على أصابعي كتلميذ غير نجيب في الحساب، لأجد أن الوداع الأخير قد مضى عليه فوق العشرين عاماً ويزيد. 
ترى كيف هي بغداد؟ وكيف هي أحوالها بعد أعوام طوال وثقال؟ أما زال ذلك الفجر الندي له بعض من عطرها؟ وتلك اليقظة الصباحية لبيوت كانت ساهرة وعامرة بأهلها الذين يحملون تلك الرفعة، وذلك الاعتداد بالنفس الصادق، أما زال البنات القادمات من جهة أكاديمية الفنون الجميلة يتضاحكن للمستقبل، وللألوان حين تصبح طابعاً للحياة؟ أما زالت أصابعهن الرفيعة كأعواد الأراك تتخلل ذلك الشعر المشاغب المنثال على الجبهة والعين، يفعلنها دلالاً وغنجاً، أما زلن يكبرن مع الأنوثة التي تتستر بالقميص الأبيض عادة؟ أما زال سوق «الشورجة» بتلك الروائح التي تعلق بالثياب، وتُشهد عليك الناس أنك مررت ذلك النهار من هناك؟ وسمعت ورددت: «الله بالخير»! على المارين غير المستعجلين، وعلى الواقفين أمام أبواب حوانيتهم يتفحصون المتسوقين، أما زال شارع المتنبي، ودكاكين الورّاقين والكتب المتربة؟ أما زال سوق الصَفّارين؟ هل خف ضجيج مقهى الشهبندر؟ أما زالت تلك العجائز المفترشات الأرض يبعن «القيمر» وحاجيات تصنع في البيوت؟ يسرقن من وقتهن ويدخن «التتن»، وسجائر من ضجر؟ ليتهم لم يخربوا قوس وسيف النصر، وتلك اليد العربية القابضة على شيء من مجد! وأخاف أكثر ما أخاف على «كهرمانة ولصوص علي بابا»، تمثال «أبي جعفر المنصور» قيل لي إنه قطع رأسه انتقاماً للتاريخ، و«السعدون»، أما زالت تلك المكتبات التي تتوسد الأرصفة تقرأ فيها المشهد العربي؟ وواجهات زجاجية يمكث عندها الناس متأملين ما يعرض من بضائع سيفرحون لو انتقلت إلى خزائن ملابسهم، هل «أم كلثوم» ما زالت تصدح بالغناء في مقهاها؟ لا.. لا تقولوا إن ليل بغداد تغير، وإن «أبا نواس» يذهب للنوم مبكراً، غير مسامر «شهرزاد أو فريدة»، وإن «البَلَم» صار يقلبه أقل موج دجلة.. كنت بحاجة لصوت أم لأقول لها: دثريني يا أماه، لقد أبصرت بغداد.. وابيضّت عيناي! وغداً تكمل العين دمعها..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates