أصابع أبي نواس

أصابع أبي نواس

أصابع أبي نواس

 صوت الإمارات -

أصابع أبي نواس

بقلم : ناصر الظاهري

لا نمجد الديكتاتورية، ولا نشيد بأعمالها، ولا نقرّها نظاماً سياسياً واجتماعياً يقود الشعوب، ولكنها في مجملها لا تخلو من عمل وطني خالص، وإن كان مجنوناً حيناً، وغير مبرر في حين، وعلى حساب الآخرين في حين آخر، ولا يعدم في وقتها الأمان، بسبب الأمن المتشدد، حتى يضيق الناس، وتضيق معه حياتهم، لكن في ظلها وبسبب ممارساتها ستجد السارق لابد، والمهووس يكبت الأمور في داخله، والفاسد يتقنع بلباس التقوى مرة، ولباس الوطنية مرة أخرى، وفي الحالتين لا أحد يجاريه في المديح والنفاق، ولن تجد في وقتها الناس يشكون من إملاق أو عازة، ولا يتبرمون من خدمات أساسية كالتعليم والصحة، وفرص العمل، ولا تباين فاضح بين طبقات المجتمع، نأخذ العراق أنموذجاً، والذي لم يكن إلا أنفاً في السماء، حيث كان العراقي يتقدمه الاحترام والتبجيل، لأنه يحمل ثقافة ومعرفة وعلماً وتخصصاً، لا أقدام سوداء تدنس تربة الوطن، والولاء واضح، والوطن تاج على الرأس، لم يعرف العراقي طوال حياته نبش القمامة، والتسول، والتباهي بالطائفية، والتخلي عن القيم المثالية في الحياة، كان طوال حياته نموذجاً للخلق العربي بعرفه وعاداته وتقاليده الأصيلة، لا يتوانى عن عقر ناقته للضيف، ولا يضام أحد دخل حوش بيته، فجأة تحطمت كل تلك الصور الزاهية، وإن كانت تحت ظل ديكتاتورية أو شوفينية وطنية، وأتى الغزو الأول للكويت والغزو الثاني للعراق، فحضر السارق والناهب وقطاع الطرق، وتخلى الضابط عن شرف مهنته، وعمل بالتهريب، والتستر، وهتك ستر البيوت، تداعت القيم، وغاص المجتمع في الرماد، فكثير من الزُلم لم يبق منها إلا هيئة شوارب غير مهابة، ولم يبق لها إلا معبود تطيعه هو الدينار، ومن أجله ترخص الأشياء، وأولها الوطن، وكل تفاصيله المقدسة، تتساوى آثاره، ومقدراته النفطية، وطهر ترابه، وإرثه وتراثه بشرور النفوس الضعيفة والمرتهنة والمنتقمة والمتربصة منذ زمن، والمتعاهدة مع الشيطان أو الأعداء من الجيران.

وحين تنفرط منظومة المجتمع، يمكن أن ينقلب الهرم الاجتماعي، فيتبادل القاع والقمة الأدوار، وسيتعثر التعليم، فتختل موازين التربية والأخلاق، وحينها تتبدل معاني القيم السامية، الخير والحق والجمال، وستجرّ وتكرّ السبحة صعوداً وهبوطاً للهاوية حيث لا أمن ولا أمان ولا استقرار.

منذ سقط تمثال صدام في تلك الساحة، والكل في عراق المجد والخير يريد أن يصنع له تمثالاً من خوف، يحطمون تماثيل الكبار ليصنع الصغار لأنفسهم تماثيل من ورق أو عمالة أو نذالة، فبدأوا بباني بغداد «أبي جعفر المنصور» مروراً بتمثال المتنبي، وجماليات «عبد الغني حكمت»، وجدار «جواد سليم» للحرية، حتى مؤنس بغداد، ومنشد لياليها وصلت إليه معاول الهد والقص والتحطيم، بالأمس سرقوا «أصابع أبي نواس»، لأنها من نحاس!

 المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصابع أبي نواس أصابع أبي نواس



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates