بقلم : ناصر الظاهري
هناك أشياء هي ضرورية، ولها قيمتها، ولا يستقيم اليوم بطقوسه دونها، يراها الكثيرون في غاية الأهمية، ودليل الاهتمام، ويراها المنشغلون بتعقيدات الحياة ونظريات العيش وفلسفة الوجود أموراً ليست لهم، ولا يمتلكون مهارة التعامل معها، وقد تشغلهم هذه التفاصيل التي يسمونها عن غاياتهم في هذه الحياة، وما خلقوا ليعملوه فيها من أجل الإنسان، ومن أجل رغيد العيش، وتطور المجتمعات، ويتمنون لو أن أحداً يفعلها بديلاً عنهم، من تلك الأمور التي يتعفف الباحث والمشتغل بالعلوم وبالعمل الإبداعي، الأدبي والفني عنها، ويتأفف منها
- إسطوانة الغاز، ومتى تنتهي، ومن أين يأتي بها، وكيف يحملها، وإذا استدعى الأمر كيف يمكن أن يركبها، ويحكم إغلاقها، ويمنع تسرب الغاز منها؟ وهو الذي لا ينام قبل أن يتأكد بنفسه من إطفائه، لأن لديه وسوسة بائنة من تسرب الغاز، وصوراً متخيلة عن انفجار تلك القنبلة الموقوتة في البيت، وكثيراً ما يفضل الفرن الكهربائي الذي يحل له تلك المشكلة، ويريحه من تعقيدات إسطوانة الغاز التي تشبه ملاكماً قصيراً، متحفزاً للهجوم على الدوام.
- يعني هل من الضروري أن ينشغل الباحث في مركز الدراسات الأنثروبولوجية أو ذاك المنشغل بعلوم الصوتيات والألسن بما تفعله الشغالة في المنزل، والنزاع الذي لا ينتهي مع ربة البيت فيما يخص نظافة الثلاجة، وأن كميات من الخضار قد فسدت قبل حينها جراء سوء تصرفها، وأن عليه أن يركض منذ الأحد على الجوازات وشؤون إقامة الأجانب لإنهاء أوراق تسفيرها، وعليه كذلك أن يكون طرفاً في النزاع مع مكتب جلب الخدم والمربيات على فلوس الضمان، ومعنى الالتزام. - بصراحة ما هي علاقة «مايسترو» الفرقة الهارمونية بحفاضات الأطفال وقياساتها وأنواعها التي تمنع البلل، وموقعها على أي رف في الجمعية؟ كيف سيكون صباح ذلك «المايسترو» إذا ما تصبّح بمشكلة مع «الدريول»؟ ما علاقة رسام يتبع المدرسة الانطباعية بحليب الأطفال الإسباني الذي تفضله الزوجة عن غيره لأطفالها، لأنه لا يسبب لهم الإسهال والتلبك المعوي؟ ما ذنبه أن يصحو الصباح باكراً، مثل أي خباز ينتظره أهالي الحي، وبدلاً من التأمل في الطبيعة، والموجودات المحسوسة من حوله، يقفز من سريره لجمعية البطين مباشرة؟
- أعتقد أن أكثر ما يغيظ الشعراء المنتمين، المبدعين من ذوي المعارف، وعميق الاطلاع، لا شعراء الكلمات اللزجة، أن تطلب من أحدهم الزوج المصون أن يغير «لمبات» الصالة المحترقة، ذات السقف العالي أو تجلس تقص عليه حكاية قَصّتها التي هي الآن الرائجة بين سيدات المجتمع أو الفروق الدقيقة بين موضة الحقائب هذه السنة الصغيرة، واختلافها عن السنة المنصرمة، رغم ارتفاع سعرها، وقتامة لونها، لكنها تتماشى مع عمليات التجميل الكشط والحف والنحت على «ستايل كون كان»
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع