بقلم : ناصر الظاهري
إنها الأربعون.. ماذا بعد الأربعين؟ قمة النضج، والبصر بالبصيرة، وإدراك الرؤية، بين قمتين واحدة رياضية، وأخرى سياسية، تعيش دول مجلس التعاون الأيام المتبقية من هذا العام الذي يودعنا، والذي كان حافلاً بالكثير من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، منها ما ترك أثره باقياً، ومنها ما غاب بتأثيراته الآنية، القمة الأولى التي سبقتها كثير من الإرهاصات والتحديات لكنها انعقدت في وقتها وحينها رغم كل الظروف، وإن كانت هي الأقل فنياً وتنظيمياً وإعلامياً، لكنها كانت كسباً مهماً في تثبيت تقارب اليمن والعراق، بلد يمسك خاصرة الجزيرة العربية بثقله التاريخي والديموغرافي، وما له من علائق وثيقة تمتد للجذور بأهل المنطقة وتاريخهم، وبلد مهد الحضارات وحارس العروبة، والثقل المعادل في لعبة التوازن على ضفاف الخليج، فكان لبطولة كأس الخليج دور كبير في ضم اليمن الرازح تحت خط الفقر بمعدلات عالية، وتفشي الأمية بنسب كبيرة، والمحاط بمعضلات اجتماعية متشابكة، والعراق الذي يعيش مخاضاً سياسياً كبيراً، لذا جاءت المكتسبات من القمة الرياضية مؤثرة وفاعلة في محاولة التهدئة، وهو ما يعد هدفاً رئيساً من حضور البطولة في قطر كشعار خليجي اجتماعي ورياضي يجمع الشعوب، وإن فرقتنا بعض السياسات، وتضارب بعض المصالح.
أما قمة الرياض السياسية، فيُعلّق عليها المراقبون السياسيون والاقتصاديون آمالاً تنعكس على استقرار المنطقة وتطلعات المواطن الخليجي في دعم مسيرة التنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في ظل ظروف دولية متقلبة وتهديدات تعكر صفو الجوار، واستقرار السوق العالمية، كما هو حال آمال إنسان الخليج على كل قمة مقبلة أو قادمة لتفعيل الأدوار المنوطة بجهات التنفيذ في آلية مؤسسات بلدان المجلس وتسريع وتيرة التنسيق في الأمور الأساسية كالأمن والدفاع والاقتصاد والتنمية والمشاريع ذات البنية التحتية المشتركة كالمواصلات المتطورة والسريعة والربط الكهربائي ومسائل الطاقة والبيئة.
بالإضافة لمسائل داخلية معلقة لاختلاف وجهات النظر بشأنها كالعملة الخليجية، ومسائل الحدود الشائكة بين بعض دول المجلس، وإصدار جواز السفر الخليجي الموحد، والأهم من بينها هي مسائل المناهج التعليمية التي تعد واحدة من البنى التحتية الاجتماعية والتربوية التي تسهم في إعداد المواطن الصالح والواعي الذي تنشده الدول المتحضرة، وتراهن عليه في تنفيذ برامجها المستقبلية المختلفة، وتحدي منظومة الإرهاب وبؤره المزروعة والتي تتغذى على أطراف خارجية متعددة، من قبيل تحييده عن دول مجلس التعاون أو تقويمه أو اجتثاثه من منابعه، بالإضافة إلى دعم وتمكين الأمانة العامة للمجلس للقيام بدور أكثر حيوية.
إن العالم اليوم يسير نحو التكتل وقيام الكيانات الكبيرة ذات التأثير القوي على مجريات القرارات الدولية، ومجلس التعاون قادر بما يملك من إنتاج واحتياطات نفطية وغاز وما يتمتع به من موقع استراتيجي وانفتاح حضاري على العالم، أن يكون وحدة متكاملة تفرض حضورها الفاعل في الساحة الدولية.