تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

بقلم : ناصر الظاهري

منذ بدايات السفر الأولى كان عندي شغف بالألوان وفلسفاتها، فقد خرجت من مدينة كانت الألوان فيها قليلة، وواضحة، لون النخيل، وماء الأفلاج، وبيوت الطين، وكثبان الرمل، وحده ذلك اللون الرمادي الموارب على الخيانة لم نكن نعرفه، ولا ذلك اللون المكتئب القريب منه، والذي يشبه الإسمنت حيناً، و«الاسبيستو» حيناً آخر.

فلو قيل لي، ما هو أبشع لون في الدنيا؟، فلن أتردد بالقول: إنه اللون الإسمنتي، لون يوحي لك بالاستفزاز والعدوانية المطلقة، لذا غالباً ما يغطى بلون آخر يستره، فإما يدهن أو يغطى بورق ديكور أو يلبس بحجر، لا يترك ببروزه المجافي، ولونه الداعي لحرق الحياة أو طعنها في الظهر.

لذا أستبشر كثيراً بجدران بيوت البحر الأبيض المتوسط، وواجهاتها البيضاء، وشبابيكها الزرقاء، ثمة أغنية في تلك البيوت الضاحكة للحياة، يجلبها الموج، وترددها السفن الساجية على الماء، ويتذكرها كل حين بحارة جلبوا على الفرح والحركة، والمغامرة باتجاه الحياة، لا يمكنك ألا تتوقف عند ظلّة الجدار الأبيض، وتلك الأشجار الجهنمية التي ترعى بياضه بألوانها الصارخة، والباب الخشبي الساكن بلون البحر، هناك دراجة هوائية مسلسلة، ومتكئة عليها بحذر، عجوز تسحب كرسيها الصغير، وتشعل سيجارتها، وفنجان قهوة يرتج في اليد اليمين، لتستريح، وجارتها تطل عليها من الشباك المقابل، وثمة تواطؤ بنميمة مؤجلة، وحديث عن ذلك الرجل المار أمامهما، وهما تلوحان له متذكرتان أوقات شبابه كيف كان، قبل أن تخذله الزوجة بأثقالها، بيوت هي الحياة، بعيداً عن الرماد، ولون الإسمنت الخديج.

حين تدخل باريس تجد تلك العمارات المقاومة، بطرازها، ومعمارها، وحجرها، ولونها الذاهب في صفرة الشمس المحترقة، شرفات من وقت، ومن ورد، وشجر يليق بسيدات المكان، هناك حديد مشغول على الشرفات، وفي البوابة الكبيرة، لكن الأسود يزينه بالوقار، والذهبي يتوجه بتلك الأبهة الملكية، لا إسمنت ظاهراً منذ أن خطط «هوسمان» باريسه الجديدة والمتجددة، لا لون يميل للعسكر هنا، هنا الحياة الدافئة، وفقط.

تنفر من بيوت لندن القاتمة، والجالبة للغم في صباح لا تريده أن يكون هكذا، من بيوت بعض المدن الألمانية التي تشبه المستودعات، وبيوت عمال السفن غير الماكثين، تشعرك أن فيها رطوبة مستديمة، وروائح لحم مجفف، أين هي من مدن الثلج ببيوتاتها الخشبية المتصالقة مع الشمس الخجولة، ونوافذها التي تتخبأ عن الريح المباغتة، تريد أن ترفع أعناقها فرحة بالثلج، لا شيء يمكن أن يمنع الشتاء هناك بأن لا يرسم لوحته كما يشاء، تاركاً حتى الأشجار تخرج من إطار اللوحة بعمائمها البيضاء المثقلة، لا شيء أحب من الخشب والحجر، وألوانه التي تأتي بالدفء، وتخزّن بهجة للعين.

أنا هارب دائماً من الإسمنت، واللون المكتئب، فرحتي ببيوت الطين، وذلك اللون الترابي، في مراكش والبصرة والعين، في الصحراء الكبرى، والمدن التي اكتحلت بالتاريخ، والآن أتمنى ألا يعميها الإسمنت بلونه المتثائب!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 15:11 2022 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا يخيف مريم

GMT 15:09 2022 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

كأس العالم... الآيديولوجيا ونموذج الدولة العاقلة

GMT 15:07 2022 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

هل انتصرت سردية الرياض ـ أبوظبي؟

GMT 15:04 2022 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

العرب والعالم... قراءة جديدة

GMT 15:02 2022 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«بهمن» وخبر المونديال

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 صوت الإمارات - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 19:42 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
 صوت الإمارات - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 02:54 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد
 صوت الإمارات - نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد

GMT 03:01 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات
 صوت الإمارات - غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

GMT 14:49 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

محلات "pinkie girl" تطرح فساتين مخملية في شتاء 2018

GMT 06:04 2015 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

التنورة المطبّعة تمنح المرأة العاملة الأناقة والتميّز

GMT 12:39 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تكشف عن ساعة "سيليريا" الجديدة للمرأة المثالية الأنيقة

GMT 20:36 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

مراحل التطور الجسمانى عند الطفل

GMT 09:26 2018 الخميس ,01 شباط / فبراير

منزل إيلي صعب الجبلي في لبنان فخم وضخم

GMT 12:43 2014 السبت ,11 تشرين الأول / أكتوبر

غرفة الشارقة تشارك في معرض جيتكس 2014

GMT 22:09 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

مؤشر عقار أبوظبي يربح 23% منذ بداية 2013

GMT 07:41 2013 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

بدء المرحلة الثانية من مساكن "وادي كركر"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates