مهن جائرة

مهن جائرة

مهن جائرة

 صوت الإمارات -

مهن جائرة

بقلم : ناصر الظاهري

هناك مهنٌ الله يعين أصحابها الذين لا أعرف هل هم اختاروها، أم هي اختارتهم، أم الظروف أجبرتهم عليها؟ فلا قدروا التخلص منها، وبعضهم لم يرد أن يمتهن غيرها، مهن جائرة تكاد أن يختص بها الرجال، لأن النساء ما زلن في مساحات من العطف واللين والرحمة ورقة المشاعر، مثل أن تكون حفّار قبور، تحرث تلك البقعة لتدفن فيها شخصاً لا تعرفه، ولن تتعرف على ملامحه، ولا تدري كيف سارت حياته، هو الآن أمامك ملاءة بيضاء، بجسد رطب، ولا أشد منها قسوة غير وظيفة غسّال الموتى، ترى كيف كان شعوره للمرة الأولى نحو تلك الجثة الباردة الذاهبة لعتمة الزرقة؟ هل التعامل مع تلك الحالات شبه اليومية يجعل من الإنسان شخصاً مختلفاً، لا يخشى الرهبة، ولا المغادرة نحو المجهول، ويظل تعامله مع تلك الأشياء مثل الذي يقوم بكي ملابسه بطريقة لا شعورية، ودونما أي تفكير أو أسئلة يحضّه عليها عقله، وكوامنه الداخلية!

من تلك المهن التي لا يقوى عليها كل الناس، بل المختارون أو المجبرون أو ظروف الحياة التي تطبعهم بتلك القسوة التي هادنوها، ورققوا من وقعها على النفس، أن تكون جزّاراً، وعليك التعامل مع ثور الأضحية الذي يفوق وزنه نصف طن، وقرناه مثل رمحين لمحارب من الغاب لا يأبه لأي لحم طري يقابله أو عليك أن تعقر أو تنحر بعيراً، يسكن الغدر عينيه، ولا يسامح، ولا يمكن أن ينسى، ولو كان مضرجاً بدمائه بتلك اليدين غير المرتجفتين، وحين تخور قواه، يشخص لك بتلك النظرة كصديق مغدور، لم يحسب لتلك اللحظة المفجعة.

من مهن الموت ذلك الذي أصبح يطيح الرؤوس الآدمية من دون أن يدقق حتى في جرمها أو يعرف تفاصيل حياتها، فقط هو يتبع ما تمليه عليه وظيفته القاتلة، إما قطعاً وحزّاً للرأس أو شنقه بحبل متدلٍ، ترى كيف يكون ليله قبل وبعد التنفيذ؟ كيف يمكن أن يكون في بيته ومع ولده، هل من بقية رحمة وعطف تسكن قلبه؟ هل تختلف أحلامه عن أحلام الناس العاديين؟ هل يتذكر طفولته، وبراءته نحو الأشياء؟ هل يقدر أن يُقَبّل رأس أمه؟ ترى كيف هو الحب عنده؟ وهل يمكن أن يلتفت لفراشة طائرة، فرحة بلونها أو وردة حمراء تنوس مع الريح، وهي تعشق ظل الجدران؟

هي مهن يشكر الإنسان الوقت والحياة والظروف أنها لم تحدَّه عليها، ولا وضعتها في طريقه، مثل مهنة السجّان المسجون الذي لا يفصل بينه وبين النزيل غير قضبان من حديد، لا يرى من جماليات الحياة إلا تلك المعادن الباردة، ذات الطعم النحاسي أو تلك المهنة التافهة التي تنزع الفحولة من الذكورة، لا فرق بين إنسان أو عجل أو حصان جامح، يظل ذلك المعتل يتختل ليقتنص تلك اللحظة القاتلة بقطعتي خشب قاس ليعتدي على حكم الطبيعة، ويهين قدسية الأمور، ليبقى ذلك المسكين ذليل الحياة الباقية!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهن جائرة مهن جائرة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:45 2017 الأحد ,16 إبريل / نيسان

"الشيكولاتة المكيسكية" أبرز وصفات لويز باركر

GMT 09:19 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

اليابان تبتكر "موبايل" قابل للغسل

GMT 16:02 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف السركال" القطريون دبروا ما حدث في بانكوك"

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهيان بن مبارك يفتتح معرض "السوربون أبو ظبي"

GMT 17:09 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تسريبات تكشّف تفاصيل عن مواصفات "سامسونغ غالاكسي S10"

GMT 14:25 2015 الأحد ,25 كانون الثاني / يناير

الشارقة الدولي للكتاب يشارك في معرض القاهرة

GMT 21:15 2015 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

توم فورد يقدم عطرًا مستوحى من ازدواجية إمرأة

GMT 07:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

كتابيه لـ عمرو موسى الأكثر مبيعًا في مهرجان الكويت

GMT 08:23 2013 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مراسلو الإذاعة في ميادين مصر لرصد الاحتفالات الشعبية

GMT 14:28 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الوجبات الخفيفة تعزز طاقة الجسم وتحميه من الجوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates