عمارة أهل السبيل 2

عمارة أهل السبيل -2-

عمارة أهل السبيل -2-

 صوت الإمارات -

عمارة أهل السبيل 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

ظل ذلك المستأجر الجديد يتشكى من تفاصيل صغيرة لا تعني كثيراً لعمارة من عمارات أبوظبي القديمة، البقالة التي فيها عمرها ما يقارب الثلاثين سنة، و«الدوبي» الباكستاني بدأ عمله فيها بتلك الآلة، الحديدة الثقيلة كمرساة السفن الغارقة، يكوي ملابس الناس، واضعاً تلك الأرقام على أطراف الملابس بحبر أسود يدوم، لتظل علامة فارقة يعرف بها ملابسهم، حين بدأ عمله يومها كان شاباً مكتحلاً، وشعره الأسود اللامع الطويل، مثل بطل فيلم هندي لم يحالفه النجاح في أول أفلامه، وبقي يهوى الأغاني الغرامية، والتي لا تتوقف في دكانه طوال الظهيرة، اليوم أخذه العرض والسمنة، فقصرا من طوله قليلاً، وحده الشعر ازداد سواداً بفضل جاره الحلاق الذي يتوصى في صبغاته، «أندريه» ظلت شكواه تترجح من درجة الضوضاء في المبنى، والتي تتعدى المعدل الطبيعي بـ17 درجة «ديسيبل»، وحين لم يلق تلك الاستجابة من الناطور، عكف على تغيير مسارات النوافذ والأبواب، وتركيب حشوات تتشرب الضجيج والضوضاء، كان يعتمد على نفسه، وعلى طلباته من متاجر «الإنترنت» الرخيصة نوعاً ما، ورغم عدم وجود ذاك الود المتبادل بينه وبين الناطور ووكيل عمل «خوينا» الطيب في الوقت نفسه، إلا أنه ظل يسأل «أندريه» دائماً: «متى ستشرف الهانم»؟ لأنه شعر بذلك الاهتمام المبالغ فيه من قبله، وحرصه على إصلاح كل شيء، وترميم شقة في عمارة شبه متهالكة، فقال الناطور «محمد محمد فهمي جمال الدين» في نفسه: «ربما تكون ملكة جمال، لأنه حريص على شعبها الهوائية، ونظافة رئتيها، وشعيرات أنفها الرقيقة»!
«أندريه» خريج كلية تقنية، لا يخرج ولا يدخل إلا متأبطاً جهاز الـ «لاب توب» أو يحمله كـ «عاروك» على كتفه النحيف، وهاتفه الذي في يده مرتبط بكل الأجهزة التي في الشقة، ومبرمج على المعدلات الطبيعية للصوت والضوء، ودرجة الأوكسجين، حتى ظهرت مشكلة لم يعمل لها حساباً، فقد دخل عليه شهر أغسطس هنا، وبدأ جهاز تصفية الهواء، ومستشعر الرطوبة يشير لمعدلات تصل لدرجة التسعين، والمكيفات تعمل في الشقة بانتظام، فنقل خوفه للناطور أن زوجته قد لا تتمكن من المجيء بهذه الرطوبة المشبعة، فحزن الناطور «محمد محمد فهمي جمال الدين» يومها كثيراً لذلك الأمر، وقرر نقل شكواه لصاحب العمارة، والذي ما أن سمع أن المستأجر الجديد يحوم في العمارة وممراتها بجهاز استشعار الرطوبة، ومقياس درجة الضوضاء، وانبعاث الضوء، وأنه قد يرجع إلى بلده بعد انتهاء عقده، وهو مصاب بالربو أو متملخ وجهه من السهام والسموم، فطلب «خوينا» الطيب من الناطور أن يحضره إلى ليوا يوم الجمعة، لأنه معزوم عنده على الغداء في مزرعته، وذابح له حوار على كرامته وضيافته، فرد الناطور: «يا شيخ.. دا هيهتري.. دا بتاع كمبيوتر»! فقال صاحبنا: «ما يهم كمبيوتر وإلا غيره.. ما دام نافع نفسه وأهله».
بعد ذلك الغداء في ليوا في نهار يوم من شهر أغسطس، رجع «أندريه» محْمَرّاً يشبه «الطرثوث»، وَلَبَد في شقته أسبوعاً، بعده عاد متعافياً، لا يشكو من رطوبة مشبعة، ولا من درجة ضوضاء، ولا من انبهار ضوئي يؤذي بؤبؤ العين، صار «أندريه» من «إخوان شما» عقبها، ولا ندري إن كانت ستعرفه زوجته التي وصلت أمس متبرقعة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عمارة أهل السبيل 2 عمارة أهل السبيل 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates