بقلم : ناصر الظاهري
على الرغم من أنها أشياء صغيرة، ولا تعد إلا من تفاصيل الأمور، لكن غالباً ما ندفع ضريبتها بخسارتنا لأشياء كبيرة، كان يمكن أن نتغاضى عنها في وقتها، وكان يمكن أن نصبر عليها قليلاً، وكان يمكن أن لا نجعلها في تحدٍ مع النفس، وكان يمكن أن لا نعدها من الأمور التي يمكن أن تهزمنا، وكان يمكن أن نعتبرها من الأشياء الصغيرة التي لا يفرحنا نصرها، كان يمكن لو تركناها تسلك طريقها دون أن نعترضها بعزة نفس لا ضرورة لها، وبكبرياء في غير محله، ولو حدث ذلك ما كلفتنا أشياءنا الكبيرة:
- ما ضر تلك المرأة لو أنها تخلت عن تلك الغيرة من تفاصيل حياتهما، وعن التنقيب وراء الكلمات وما تحمل، وعن تفسيراتها للأمور من منظورها الناقص، أرهقت نفسها خلف السراب، فازت بالأشياء الصغيرة، لكنها قضت على شيء كبير..حياتها!
- ما ضرنا لو لم نعمد إلى تخطئة ذلك الشريف، ومحاولة التصيد له في كل الزوايا، وتكسير أجنحته بما نسمع من قيل وقال، أخطأنا بالتفتيش في كل ثقوب حياته، ولم نرمِ عليه ثوب الستر، ففقدنا الشيء الكبير، روح ذلك الرجل الشريف!
- ما ضرنا لو أننا أعطينا المكان لمن يستحق المكان، لا المكانة، لمن يعلمه العمل معنى الولاء، لا الولاء يعلمه معنى العمل، لو انتقينا للأمكنة، كما ننتقي لأصلابنا، لكنا قبضنا على شيء جميل، غير قبض الريح!
- ما ضرنا لو لم نجعل الأشياء الصغيرة تهزمنا، وغامرنا نحو الأشياء الكبيرة، وراهنّا على الأشياء الكبيرة، وصبرنا على الأشياء الكبيرة، لكنا كسبنا السلة وما فيها!
- ما ضر الأخ الكبير، والبيت الكبير، وألفة الأسرة الكبيرة، لو لم تسقطهم النقود وما يرثون، تراكضوا وتزاحموا وتفرقوا على الأشياء الصغيرة، وضاع منهم مفتاح سعادة البيت الكبير!
- ما ضره لو شدّ ظهره بالرجال، وأحاط الرجال بالرجال، وأسمع الناس، واستمع للرجال، ولم يلهث وراء الصغيرة، لكانت تفرقت الثعالب، ولم يبق إلا الرجال!
- ما ضره لو كانت بناته كما كنّ في صغرهن رياحين قلبه، ولم تغيره تفاصيلهن الأنثوية التي كان يخاف منها عليهن، وأعطاهن ما في قلبه، ولم يكسر لهن قلباً، أرجفته الأشياء الصغيرة في الأنثى الكبيرة، وضاع منه وجه الأب!
- ما ضرها لو أنها كانت له، ولكلماته العصيّة التي لا تخرجها عفوية البدوي هكذا بسرعة، كانت في عينيه كامرأة من وقت وحب، متوجة بغلالة من غيم، تسكن شمالاً جهة الصدر، لكنها ركبت الأشياء الصغيرة، وتبعت الظل حتى غاب الظل!