بقلم : ناصر الظاهري
بعض الناس ليلة سفره تقول معرّس ولده أو معرّسة ابنتها، تجد الواحد منهم يتعدل ويتزين، ويحلق ويصبغ، ويهذب شواربه، ويعتني بكل التفاصيل، والحاجّة وإلا من عند الخياط، وسّع الثوب، وأجبن العباية أو طرقة على المحلات، مرة عند الكوافيرة، ومرة عند المحنّية، ومرة عند راعية طلاء الأظافر، وحين ترجع للبيت، تسمع صوتها قبل أن تدخل من الباب: يا ربي تعبانة وحرّانة.
المشكلة أن كل تعب ما قبل السفر هو للمطارات وللمكوث على مقعد الطائرة، فلِمَ كل هذه الزينة التي يساوي ثمنها خزينة؟ والأمر نفسه يحدث عند العودة من السفر، وبعضهم يبالغ، فتجده يلبس جديد الثوب، ومرات ينسى لزقة الثوب أو ورقة ثمنه من عجلته أو للتباهي كما هي موضة البعض حين يترك علامة الماركة التجارية الغالية ظاهرة، ومتعمدة للناس ليروها، ويقدروا صاحبها.
وإذا كانت أسرة مسافرة، تجدها تلمع وتلقّ بالأثواب القشيبة الجديدة، وكأنه غداً العيد، المشكلة أن هذا التقليد لا تعرف من أين جاء؟ ربما من الفرحة بالسفر، والبهجة به، وكأنها طقس مرادف له، ربما هي سُنّة سنّها أول واحد ترك الحارة أو القرية متجهاً للمدينة، ولا أحد يتوقف عندها، وسرت بين المسافرين، بالطبع السياحة الخليجية تتطلب كل يوم، إن لم يكن كل فترة من اليوم ثوبه، ولونه، وما يتماشى معه من حذاء وحقيبة ونظارة، والآن غطاء النقال، فلا تدري بماذا تصف تلك المرأة غير بالفراشة أو الطرفشانة، وهي تزاغي تلك الألوان، ولا سائلة عن أحد، وكذلك يفعل البعض من الرجال الذين تعودوا على الرحلات العلاجية المجانية بالأشهر الصيفية الطويلة، تجده من حَزّة المغرب، يظل يتفرك ويتحكك، ويدهن عمره، حتى يلصق، المشكلة الكبرى أن هذه الزينة ليست لحضور حفلة باليه أو كونشيرتو أو لعشاء رومانسي في مكان خيالي، كلها لأجل «لوبي» الفندق، و«كابتشينو رائح.. وكابتشينو جاي»، ومطالع في خلق الله أو السهر مع نقّالاتهم، ومراسلات مع أهل الدار.
تمضي الأيام وأفراد كل الأسرة يستهلكون كل يوم لبسة أو لبستين من النوع الجديد، ثم يسرحون في الأسواق ليتبضعوا، ويشتروا ملابس جديدة لأيام جديدة، وحين يتعبون من الشراء لأنفسهم، يتذكرون أهلهم غير المسافرين، فرداً.. فرداً، ثم يتذكرون أن حقائبهم لا تكفي للمشتريات الجديدة، ولا تتسع للثياب الملبوسة لمرة واحدة، فينقضون، ينتقون حقائب جديدة، ولا يمنع أن تكون الحقيبة بحجم حقائب الحجاج، ما دام هناك زوج عتّال، وأخ حمّال.
وبذلك ينقضي السفر، وتطوى أيامه، ونحن ما زلنا نتسربل كل يوم بثوب قشيب، وكله لأجل بهو الفندق، ولكرسي الطائرة أو المشي في الحديقة القريبة من الفندق أو «المولات» التجارية، هو سفر من أجل الزينة، غير مدركين أن للسفر خمس أو سبع فوائد ليس من بينها الثوب الجديد! وغداً نكمل..