بقلم : ناصر الظاهري
لو زرت معارض الكتاب أو دخلت مكتبة من المكتبات التي تميل للقرطاسية أكثر من ميلها لمتون الكتب، وتفضل الفلبينية المبتلة الشعر دوماً على ذلك الورّاق الذي أكل عليه الدهر وشرب، ستجد كماً هائلاً من الكتب والكتّاب يتحدثون عن الحكمة والسعادة والتأمل والطاقة الإيجابية واستنهاض القوى الكامنة داخل الإنسان، والنيرفانا، والهيولى، ومصطلحات يابانية وصينية تعتقد للوهلة الأولى أنها نوع من وجبات الأكل، فإذا بها ضد الأكل، لا اعتراض على مثل هذه الكتب التي تنحو منحى الكتاب الكلاسيكي، «دع القلق، وابدأ الحياة»، الاعتراض على الكتّاب، وألقابهم، وما يقدمون من محتوى لا يتعدى «تغريدات» و«اقتباسات» من كتب أجنبية، و«سرقات» من الشبكة الإلكترونية من أقوال العظماء والمشاهير، يعني الواحد بعده ما طرّ شنبه ويسوي لك كتاباً عن «كيف تخطط للحياة، وتحقق السعادة»، شو خبرة هذا الشاب الذي لم يبلغ الحلم بعد؟ «بوذا» كان يقول: هل تعبت في طلب المعرفة؟ وصاحبنا رأسماله شماغ مكوي مثل منقاب الطير، ومحدد اللحية الخفيفة، ويحمل لقب الباحث في مكامن النفس البشرية، ومفاتيح أسرارها، وهو حدّه في الحياة إما «بيّاع مسابيح أو يشتغل في دكان مفاتيح وقفول» لا أزّيد!
بعض هؤلاء الذين يصورون وهم مبتسمين للحياة، ولا ثمة تغضنات بعد جراء مجالدة شظف العيش، تتصدر صورة المؤلف الشاب غلاف الكتاب الوردي ذي الطبيعة الأنثوية، وكأنها مرسال للمخاطبات، يحمل عنواناً تجارياً، وستطبع منه عدة طبعات، ولو من باب الفضول النسوي، «29 طريقة لكي تصبحين أجمل»، قال المؤلف الشاب حقّاني، يعني ما وصلّها الثلاثين، وكلها ماء فاتر، وليمون أخضر على الريق، وأفوكادو على العينين، والاسترخاء والنوم 8 ساعات وبعمق، وفِي الصباح مارسي الرياضة في الهواء الطلق، واحرصي على الماء المغلي قدر أبريق، مع ورقتين من البابونج أو «فنخين» من السفرجل أو الأترنج، ومن هالخريط، المشكلة كيف يأتي النوم العميق بساعاته الثماني كل ليلة، هذا المؤلف الشاب يتحسب الحياة «لعبة كيرم»!
رفوف ممتلئة من هذه الكتب السمجة التي تشبه التداوي بالأعشاب، وكلهم ينعتون لك دواء ضد الكآبة والتوتر والقلق، وترياقاً للسعادة والسمو وبلوغ المرام، غير عن كتب «مفاتيح النجاح، وأسرار الفلاح»، «كيف تصبح مليونيراً في خمسة أيام وبدون رأسمال»، «من الصفر إلى صاحب يخت»، «سر الضحك والتدليك في تورد الخد، ونحت القد»، «بجمالك المفتون تحرسين زواجك المصون»، والمؤلفون «شغل صالونات حلاقة، وموبايلين، ورصيد مدفوع مسبقاً»، ونظارة شمسية ليست أصليّة، لا علم، ولا جامعة، كله «خريط والم وزاهب»، معتقدين هؤلاء «المؤلفين والمولفين» أن الحياة.. «لعبة كيرم»!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد