بقلم : ناصر الظاهري
الزائر للصين سيحتار فيما يصنعون، وسيدهش مما يصنعون، لكن عليه أن يكون حذراً، فهناك بضائع فاخرة، وبضائع تتدرج نوعيتها إلى أربعة أنواع، وصعب على غير المطلع أن يحدد الفروق، وإن حددها سيبقى في ذهنه كثير من الشك والريبة، وسيشعر أنه مغبون، خاصة في «هونغ كونغ» فهناك المسألة أكثر تعقيداً حيث تتجاور البضاعة الأصلية مع البضاعة المقلدة بإتقان، والتجار هناك ماهرون ومحتاطون لأي سؤال مباغت من الزبون، أما الشهادات التي تترافق مع البضائع الغالية فتزويرها أسهل، لأنهم يقلدون البضاعة، فما بالكم بشهادة المنشأ؟! الغريب أن لبضاعتهم زبائن من كل مكان، وإن أصبحت أوروبا أكثر تشدداً في هذه المسألة، حيث تصل الغرامة إلى خمسة آلاف يورو، إن ضبطوا شخصاً يستعمل أشياء مقلدة للعلامات التجارية المشهورة، ويعدون هذا اعتداء على الملكية الفكرية، لكن لا يكف الشغوفون بالعلامات التجارية الغالية، ولا يقدرون على أثمانها، عن اللجوء للبضائع الصينية المقلدة بإتقان، وهم هنا مثل ذلك الفقير الهندي الذي تتلاعب به علبة الأحلام بإنتاجها «البوليوودي» حيث يستمتع من خلال الفيلم بالسفر المجاني، والمتعة في مشاهدة الأبطال يغيرون ملابسهم كل حين، ويغرمون بانحياز البطل لطبقتهم، كل ذلك بروبيات قليلة، غير أنها متعة تمتد لثلاث ساعات، ويمكن أن تدخل على قلبه شيئاً من السعادة الناقصة، هكذا يفعل أولئك المحبون تباهياً بارتداء العلامات التجارية الغالية، ولو كانت مغشوشة، ولا أدري لِمَ لا ينتبه العالم، وخاصة البلدان المهتمة بتسيير الذوق العام، مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وغيرها من البلدان القادرة على الإبداع، وجديد الابتكار في المنتجات التي يستعملها الإنسان، بدءا من الملبس، واللون، والموضة، وانتهاء بكل ما هو رفيع وراق في مفردات الإنسان اليومية، لما تقوم به الصين من تشويه الذوق العام، والسيطرة على أسواق وأذواق الناس، بترخيص ثمن المنتج، وسوء المصنعية، وتعميم المبتكر، وسلبه تفرده، وتحطيم خصوصيته، واستسهال توفير الجديد من خلال التقليد، والمحاكاة، والتشبيه، وخلق الرديف السيئ له؟
الصين اليوم تحارب الذوق الرفيع الذي تقاتل عليه مبتكرون، وموهوبون، وأناس تخطوا خيوط العبقرية لشيء من الجنون والغرائبية، وتنافست فيه مدارس، وبيوت أزياء، ودور عالمية، اهتمت بكل ما يميز الإنسان، ويعطي لحياته خصوصية، وتفرداً، في الملبس والمركب، والمنزل، والمأكل، أشياء كثيرة يصنفها الناس فيما بعد بالذوق الراقي، والانتقاء الرفيع، وبالحس الجمالي، أشياء كثيرة تتراكم لتشكل الذوق العام.
«شانيل» أعطت خطوطها لهذا الذوق العام، واستطاعت أن تشكله في مرحلة معينة، وعُد يومها نبوغاً، وتفرداً، وأخذت طريقها في إضافة لمسات على حياة الناس بين الحين والآخر، فصارت تاريخاً، «فيرساتشي» لا شك أنه أستطاع أن يقلب الموازين، ويعطي للحياة ألواناً مبتكرة، وجريئة، ويرفع من ذائقة الناس، ويضفي شيئاً من مظهر الشبابية المرح، استطاع أن يحلق بفراشاته، ويبدع في ألوانها.. وغداً نكمل