بقلم : ناصر الظاهري
تتنوع أكلات الشعوب، فتشعر بأن وراءها تجارب كثيرة قبل أن تظهر بشكلها اليوم، فالمرء لا يحتاس، مثلما يحتاس مع الأكل الياباني، خاصة أنك لا تعرف أنه «نيء أو ناضي»، فأنا والمطعم الياباني مثل «اليني والعطبة» أحترم أكلهم الغني بفيتامينات العالم، ولكنني من بعيد لبعيد، والذي غالباً ما يشبه أكل المستشفيات، الخالي من المشهيات، يمكن أن يغذي العضلات،
ويمكن أن يغطي نقص الكالسيوم، لكنك تشعر بأنه طعام يعده المشرف الغذائي، لا طباخ، هذا الأمر يجعلني أعاف المطاعم اليابانية، إضافة إلى الصرامة التي يجب أن تتحلى بها أثناء دخولك إليها، وأولها أن تفسخ نعالك، وكأنك داخل مسجد أو معبد، ثم المقاعد الخشبية «العصّة» غير المريحة مطلقاً، وجلسة التربع أو القرفصاء التي تزيد من ألم المفاصل، وأخطرها أسطوانات الغاز التي تتفاجأ بها بين رجليك تحت الطاولة الكبيرة، خاصة إن كنت من النوع الموسوس مثلي، وتتطير من الغاز، وتكره أسطواناته المملة بألوانها السمجة، والتي هي في نظرك مشروع تفجير محتمل.
ومما يباعد بيني وبينها الأكل بالعصي «هاشي» التي تخشى دائماً أن «توغف» عينك أو تعض عليها بالنواجذ أو تطحنها أسنانك، ثم أسعار الأكل، فالعادة الفاتورة تكون مسطرة ومكتوبة ومطبوعة إلى ذيلها، والمجموع الأخير يشير إلى رقم مكون من أربع خانات، وكلها لأشياء يفترض أنك أكلتها، وتمتعت بها، لكنك في حقيقة الأمر لا تعرفها، ولا يمكن أن تتعرف عليها، وكلها ما لها «خانة» وحقيقة لا تسمن، ولا تغني من جوع، والكثير ممن «يتزعمون» الأكل جبراً وتكلفاً لا يعرفون من أسماء المطبخ الياباني غير الـ«سوشي والتمبورا» وغير لحم الرضيع المعلق من أطرافه، والذي يغر مع الحليب شعيراً مخمراً.
أجمل ما في الأكل الياباني طريقته الاستعراضية، ولعب الأكروبات، فالمشهدية والفرجة، أكثر من الأكل، ومتعة الشبع، مع الطباخ السمين الذي يرمي البيضة والحجر، فتسقط البيضة على حد السكين التي في يده، فتنشطر نصفين، فيسيل الزلال والمُح في الكأس، ثم يسقط الحجر بعد مدة فيغطي الكأس، وشيئاً من هذا القبيل.
الحرج كل الحرج أن تسأل مضيفيك ما هو المطعم الذي يفضلونه؟ ويكون الجواب دون تردد، مطعماً يابانياً بالطبع، فيمتعض وجهك، وتتقلص معدتك، ولا تقدر أن تتعلث بأعذار واهية، مثل عندي حساسية من الأكل الياباني، لأنه أكل كله غذاء صحي ومحسوب، ومنزوع الدسم، فتضطر إلى أن ترتاد الإنترنت للبحث والتعقب، ومحاولة جمع الحطب من كل مكان لكي «توري» النار، ولا تصبح جاهلاً بالتكنولوجيا اليابانية، لكن ما تزودت به من معلومات، هي خبرة من دون خبزة، فتبات سهراناً، وجلاً، تقرأ قائمة الطعام، فتكاد لا تعرف شرابهم من أكلهم، وحين تجلسون في المطعم الياباني، تكتشف أنك الضيف، والضيوف هم رب المنزل!