بقلم : ناصر الظاهري
- في ناس بصراحة دائماً ما يحملّونك قلة نومهم بالأمس، فإن لقاك أحدهم لقاك بوجه غير بشوش، ولا قلب ودود، ولا لسان طلق، وكأن أحداً غرّمه للتو مقدار حمل بغلين من المال غبناً وظلماً أو أن أحداً رضّ إصبع يده بمطرقة، فتحاول أن تخلق له عذراً، رغم أن هذا الأمر ليس مطلوباً منك، ولا هو واجب عليك تجاه المعذبين في الأرض، لكنك تعد نفسك كافلاً لليتيم، ومؤنساً للكليم، فتشعر بدلاً عنه بمأساته الصباحية، وأنه لم يكن على ما يرام ليلة البارحة، فتقول في نفسك: إن شاء الله ما تكون قد أزعلته بنت العون، فبات يتقلب على الكنبة في نومة تشبه نومة العازب أو ما طبع له مركب في البحر، يجبرك أن تخلق له مبررات غضبه ذاك النهار، وتتمنى لو أن بيدك شيئاً تفعله لتلطف أجواءه، وتدخل قليلاً من البهجة على نفسه، ولو سولت لك نفسك أن تُعرّفه على صديقة آتية من الشمال البارد، طافحة بالعافية، فقط لتنطلق أساريره، فجأة تتحول مسؤولاً مباشراً عن شخص قد لا تعرفه، إلا أنه لم يكن مسروراً ذاك الصباح، ونقل لك تلك العدوى، وتلك الطاقة التي تثقل على الروح كرحى على الصدر.
- هناك أصدقاء لا بد أن تحمل أفعالهم، وكأنهم أصغر أولادك، فدينه إن لم يقضه، وغالباً لن يقضيه، متكلاً على صديق حاملاً الأسية، ودافعاً الديّة، يمكن أن تكونا - طبعاً هذا في وقت الشباب وأيام الجاهلية- في مكان ويدخل في عراك هو ليس قده، وجسمه الهزيل لا يساعده على ذلك الأمر، والشخص الذي في المقابل كان متسامحاً، لكن صديقك يصر على العراك غير ملتفت لقوة ذراع الآخر التي تشبه «مضارب الهريس»، مشكلة الصديق الذي يغوى المنازعة والمنازلة، هو أول المنسحبين، تاركاً الساحة كلها لك، ليستفرد بك الآخر بعد ما حمي وسخن، وكله لوم عليك لأنك لم تستطع ردع صديقك عن مغالاته، وتبجحه، وأنت في الأساس ليس في حماستك التي تجعل من الغضب المتراكم ملاكماً، فيصبح اختلال الموازين هو سيد الموقف، خاصة في ظل عدم مساعدة من صديق.
- هناك أناس يتمنون لك الفشل من دون أن يعرفوك جل المعرفة، فلا تعرف كيف يمكن أن تبرر فعلهم، وكأنك خصم معهم في ميراث، لا هم قابلين رأي القاضي، ولا هم فاهمين حزنك العميق على المرحوم، تريد أن تشرح لهم أن النجاح حق للجميع، فتبدو عليهم سحابة متثاقلة بالأسى، وأنه أمر مشروع لهم، فيمتعضون بتلك العصارة الهضمية التي تشعر بها تجرح حلوقهم، تريد أن تطلق عليهم أعداء النجاح، فلا هم من الأعداء، ولا هم من الناجحين، تريد أن تمنحهم شرف الاختلاف، فلا يقبلون، ولا هم يستحقون، تحتار أين تضعهم من موقع الإعراب، فلا تجد غير أنهم أبعد عن الرفع، وأقرب إلى النصب أو الجر!