بقلم : ناصر الظاهري
«زمان.. في كتب التاريخ أتذكر «خير الدين بربروسا» ذا اللحية الصهباء، فقد ظل عالقاً في الذاكرة، وتتبعت اللحى البيضاء المرسلة على الصدور عند شعوب العالم بكاميرتي، ووثقتها بمعرض فوتوغرافي وكتاب عنوانه «خلف ظلالهم البيضاء»، لكني كنت بعيداً عن إرخاء اللحية، وحفّ الشارب، فقد كنت مثل موظفي البنوك التقليديين الذين ينتظرون ترقية بين ليلة وضحاها، فيزلغون لحاهم عند طالعة كل شمس، حتى يصبح غزّ الواحد منهم مثل الحلوى السلطانية.
لكن قبل رمضان قررت أن أطلق اللحية، ولترعى الوجه كيفما تشاء، وما كاد شهر رمضان أن ينتهي حتى أصبحت مثل المسلمين الجدد أو حديثي العهد بالإسلام، فعزّ عليّ حلقها، وتركتها تنمو متعذراً باشتغالي في فيلم، ولا متسع من الوقت لدي في معمعة التصوير والتنقل أن ألتفت لحلاقة شبه يومية، غير أنها بانقضاء ثلاثة أشهر صارت غالية أكثر، فقط ما يزعجني أنني أصحو مرات في أنصاف الليالي حالماً أن أحداً يجزّها بموس أو آخر ينتفها، فأفز ّمن نومي عابساً ووجلاً، أتحسس اللحية، وقد سألت بعض أصدقائي ممن لا يُحَسْنون اللحية، هل يحلمون ما أحلم به من أن أحداً متوحياً وقاصداً لحيتي في المنام؟ كلهم كانوا يضحكون قائلين: «ما زلت ناشئاً في النادي، أنس.
. هناك رزق جاي لك»! بس وين الرزق؟ مرات أحلم أني مجند جديد في داعش، ومرات أحلم أمثل في مسلسلات رمضان التاريخية، هذا عدا تلك النظرة غير المريحة التي يلمحك بها موظفو الجوازات في المطارات، فهم ينظرون نظرتين، نظرة لك، ونظرة عليك، الغريب أن عروض العمرة بدأت تنهال عليّ بشكل مستمر، وخاصة في إجازة نصف السنة الدراسية، وبمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، تقول إن أحداً أخبرهم.
مراحل نمو اللحية كنت أراها في البداية تشبه لحية «لينين» مثل لزقة الجروح، ثم لحية «غيفارا» المبعثرة أو المَشْعَاية، فلما استطالت وكادت تصل لحية «كاسترو» النضالية، ولحية «انجلز»، قلت: عليك بها قبل أن تصل إلى لحية «كارل ماركس» التي تشبه تيساً جبلياً، لأن بصراحة، ولا واحد من الزملاء الأعزاء صدّق أنني مطوع، رغم تغير نبرة حديثي، مثل؛ «إن شاء الله في ميزان حسناتك»، و«نسأل الله العفو والعافية»، و«لا تثريب عليك»، وغيرها، وأكثرت من رسائل الجمعة لأحبابي في الله، لكن من دون فائدة، واختصرها صديق قديم بحكمة لم ترق لي كثيراً، أنه إذا مرت واحدة من أهل البر والمزيون، ما ترعاك لحيتك، وتظل تحك صدغك الأيمن! كنت أود أن أكذّبه، بس بصراحة شيء مثل الشرى، فأيقنت أن مصيرها إلى زوال، خاصة بعد ما غدت من البياض، تقول بايتة تهب عليها سهيلي، فحاولت أن أجنبها السواد إلى الخضاب، فمشطتها بعودين حناء، فغدوت أتذكر ليلاً..نهاراً «بربروسا»، وأصبحت قريب الشبه بآخر الموريسكيين العالقين في العدوة الأخرى، ونصحني صديق بأنه إياي ثم إياي أن ألبس طاقية مزَرّية، تراني بشبه ذيك الطايفة، فقررت أن أذهب إلى الحلاق، وأغط في نوم على كرسيه، وهو يخطف على ذيك اللحية دون أن يشاورني».
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد