بقلم : ناصر الظاهري
- لا أعتقد أن أحداً شدّ على يد صديقه مهنئاً بالعام الجديد بحرارة يشعران بها، كلها كانت رسائل إلكترونية صامتة أشبه بورد بلاستيكي محنط.
- المتشددون الذين يعتبرون مظاهر الفرح بمناسبة مبتكرة بدعة، وتقليداً للغرب يقود للضلالة التي تورد إلى النار، هنؤوا أصدقاءهم شبه المستقيمين برسائل هاتفية، تُصحّي الضمير بعد منتصف الليل، وتقلب رؤوسهم ورأس السنة مثل: عام مضى هو عليك شهيد، وعام قادم هو عليك رقيب، اذكر الله، ولا تنسنا من الدعاء، وحارب البدع.
- الموظفون الملتزمون كانت تهانيهم مبكرة كعادتهم، متناسين «الناس الرايئة اللي بتضحك على طول»، وأصروا على أن يرسلوا تهانيهم الخالية من الأخطاء، المرتبة سطراً وراء سطر، وكلها تبريكات بعام مليء بالعمل المثمر والنجاح والتفوق والرقي والسؤدد والازدهار.
- المصرفيون، رغم انشغالهم بالجرد السنوي، إلا أنهم أرسلوا تهانيهم الخاصة جداً، والدقيقة جداً، والمحسوبة جداً: نتمنى لك 12 شهراً من السعادة، و52 أسبوعاً من البهجة، و365 يوماً من النجاح، و8760 ساعة من الصحة، و525600 دقيقة من البركة والحظ السعيد، و31536000 ثانية من الفرح، آملين في عام جديد كله فائدة، ومدخول، وجني أرباح، وتسهيلات، وسيولة، وحسابات ختامية تسر الجيب، ولا تدعو للاندماج.
- الزوجات الوفيات أرسلن لأزواجهن الذين تعذروا بمأموريات العمل والسفرات المفاجئة، والمناوبات الطارئة، والزوجات مضطرات إلى أن يصّدقنهم، وهن العارفات، رسائل خالية من الحماس: «ودعت بك عام مضى، وأقبلت بك عام جديد، يلي حياتي لك فدى، يا الله عسى أيامك كلها عيد، رأس السنة، يوم يأتي كل 365 يوماً، ومثلك لا يأتي إلا مرة في العمر».
- الأزواج الذين قضوا رأس السنة في البيت، وزوجاتهم على رؤوسهم، أرسلوا رسائلهم جافة، مقتضبة، وأشبه بأن تكون محمّضة وبائتة، ونفسها قصير، وفيها قليل من الغبطة، وكثير من الحسد، وكلها تذكّر بظل الزوجة المطيعة، والذرية الصالحة، ودفء الأسرة.
- العاملون في مجال الطيران أرسلوا تهانيهم التي تدور حول مغادرة عام، ووصول عام جديد، ومحطات العمر، وتوقف الزمن، وأرضية الأحلام، وفي الختام يتمنون لك السلامة وطيب الإقامة، والأمان، وأن تمضي أيامك دون اضطراب أو هبوب عواصف وتقلبات، لم ينقص إلا أن يزودوك برقم بدّالة المطار.
- جماعة «السناب تشات والفاشينيستات واليوتيوبر» تهانيهم غير الحارة من بوتيك لمطعم لمحلات عطور لمحل آيس كريم لدكان عومه معتبر، وكلها شوفوني، وشوفوا كذبي غير المجاني.
- العاملون في الصحة كانت تهانيهم نظيفة، معقمة، وتكاد تشم منها رائحة النشادر، فيها الصحة والعافية، والعمر المديد، سنة خالية من أي انسداد أو ضغط أو توتر، كلها «ثقة» بالحياة، و«ضمان» العيش الرغيد.
- ومني.. أتمنى لكل الناس الغالين أن يبعد عنهم الظلم والحسد والفقر والمرض، وأن يرزقهم ما يتمنون.. وأكثر!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد