وساوس بأثر رجعي

وساوس بأثر رجعي

وساوس بأثر رجعي

 صوت الإمارات -

وساوس بأثر رجعي

بقلم : ناصر الظاهري

هناك أناس لا تفارقهم الوساوس، ولا هم يستطيعون أن يتخلصوا منها، تجدهم في حديث مع النفس دائم، يختلقون مسلسلات مكسيكية طويلة، ويبنون قصصاً «تشيخوفية» و«كافكاوية» مختلفة، كان بإمكانهم لو لديهم موهبة الكتابة لاستفادوا منها في العمل الدرامي، تجد واحداً من هؤلاء إذا ما دخل مجلساً، أول ما ينظر ينظر للثريا الكبيرة المعلقة، فينتبذ منها مكاناً قصيّاً، لأن الوسواس يطرق ذهنه بأنها يمكن أن تقع فجأة، لسبب بسيط أن ذلك العامل البنغالي غير الماهر لم يوثق حديدها كما ينبغي في السقف، أو أنها قدمت بفعل الزمن، فلم تتحمل مساميرها ثقلها، لذا يتعمد أن يجلس في طرف المكان، آخر من هؤلاء إذا ما دخل مقهى أكثر ما يخشاه أن يحدث شجار فجأة، فيقوم المتخاصمان بكسر زجاجتين ليتحاربا بهما فتفلت واحدة من يد أقلهم جدارة، وتستقر في صدغه، امرأة من الموسوسات بأثر رجعي، ترجع كل شيء يصيبها للعين، فتعثر كعب حذائها الجديد لا ترجعه لسوء الصناعة الصينية التي تحرص على شراء المقلد منها للعلامات التجارية العالمية، بل ترده لعين أصابتها من إحدى زميلاتها التي تغار منها، وإن كح ولدها فمرده للعين، لا لفيروس يكثر مع بداية الشتاء، وإن أصبحت ابنتها منتفخة من اللدغ واللسع، صبّت جام غضبها على جارتها التي لا تصلي على النبي، وعلى عينها الحارة، واحد يظل يسأل سائق السيارة التي استأجرها في رحلته الأخيرة إلى تركيا عن ظروفه الاجتماعية، وهل هو مرتاح في عمله، وكم عنده أولاد، ويحاول أن يحوطه بأسئلته الملغمة، والتي تخص علاقته بزوجته، وهل تغضبه، وهل ينام ساعات كافية في اليوم، وهل يتغذى في أوقات محددة؟ يقولها بمواربة، وليست تصريحاً بغية التأكد أنه مرتاح اجتماعياً، وليس لديه مشاكل منزلية، وأنه ينام نوماً عميقاً وكافياً، لينعم براحة بال، ولا يظل ممسكاً بيديه مقابض السيارة أو يبقى يدوس على فرامل وهمية في جلسته، إن ساق به ذلك السائق التركي في تلك الطرقات الجبلية أو المنحدرات المتعرجة، أو إذا ما تجاوز شاحنة كبيرة، والذي يظل يوصيه بالانتباه الدائم منها، ومن «سواقيها» الذين يتعاطون حبوباً منشطة أو لا ينامون ساعات طويلة كافية، ولا ينتبهون لغذائهم جيداً، وتظل معداتهم خاوية، إلا من فناجين قهوة مرة، وشاي محلى بسكر كثير، وبعضهم يتعاطون، لأنهم مثل عمال السخرة يقاومون الاستغلال بالهروب من الزمن، ومن المكان، لذا تراهم دائماً في الطرقات السريعة، ففيها يجدون ذواتهم المتعبة، ويظل يشدد عليه نتيجة وسواس مرضي قهري بأن أي انقلاب لشاحنة معناه كارثة حقيقية في الطريق، وعلى الجانبين، وقلما يظهر منها أحياء، عدا سائق الشاحنة نفسه، لأنه في موقع عال وحصين، وأصلاً هو غائب عن الزمن!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وساوس بأثر رجعي وساوس بأثر رجعي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates