بقلم : ناصر الظاهري
من الأشياء الممتعة التي ترافق كأس العالم، والتي أصبحت من العادات المحببة عندي، وأتمناها إن بدأت لا تنتهي، كعادة الأشياء الجميلة التي تخبئ طعمها في ختامها، والتي أحرص عليها أيما حرص، وتغدو من الأشياء التي اتحرق في انتظارها كل أربعة أعوام، هي متابعة مباريات كأس العالم في الأماكن العامة أو في المقاهي الكبرى، حيث تعج بالجنسيات المختلفة، وكأنها باخرة مبحرة نحو مدن كثيرة نستقبل واحدة، ونودع أخرى كل ليلة، خاصة وأن الإمارات تمثل بذلك التجانس للعديد من الدول التي تعيش فيها، والتي تربو على مائتي دولة، لذا تكون مناسبة كأس العالم أشبه برحلة جميلة بدون حقيبة، ولا تذكرة سفر، لكنك تعيش أجواء الشعوب وعاداتها وساعة فرحها ولحظة حزنها، تتعرف على طرق تعبيرهم تجاه الأشياء، وماذا يعني لهم الوطن حين يكون علمه هو المحك.
ليالٍ جميلة تكون فيها علاقات عابرة، هكذا تعتقد أول وهلة، وحده حزن أيام الختام، وفراغ الكراسي والطاولات من الحضور يشي بالحزن والفراق، ليال تكون حيّة وصاخبة، وعاجّة بكل جديد ومدهش، وقابلة للتفسير، ولا تخلو من ضحكات باقية، نحملها في حقائب الذكريات، كذلك لا تخلو من كرم تجود به النفس إما فرحاً بنتيجة أو مواساة لهزيمة غير مستحقة، وحده صراخ الفتيات المختبئ في القفص النسائي، والذي لا يختلف من بلد إلى بلد، فالمكسيكية انهارت دموعها، وولولت مثل أي قروية عربية، حين ودعّت المكسيك موسكو، ولكنها كانت كالمهبولة في المباريات الأولى، وكانت تمني النفس بفرحة كبرى، غير أن فريق المكسيك هو.. هو، حماسة في البداية، ولعب قوي، لكن النَفَس قصير، والحظ لا يبتسم لأولئك المتفائلين على الدوام.
الجالية العربية رغم التشجيع الجماعي لها من كل الجنسيات الساهرة أو التعاطف الذي تحول إلى شفقة في النهاية بعد تلك النتائج الكارثية من جانب، وقليلة الحظ من جانب آخر، غير أن شيئاً صاحب كل المباريات العربية، وهو السب بصوت عال، وكأنها براكين خارجة من الصدر على كل شيء، وعلى كل وضع، تشعرك أن المواطن العربي يريد أن يفرح بأي طريقة، وعلى أي مناسبة، فقد ملّ ما به، وكل ما جرى له، يريد نصراً بأي طريقة، ولو حمله له الحظ على كتف شيطان، لكن رياح العرب كثيراً وغالباً ما تجري بما لا تشتهي سفنهم، لذا سيتحولون لاحقاً إلى منتخبات صاعدة، يتبعون فرحهم الضائع، وسيتعلقون بها، وكأنها منتخبات الأوطان وأكثر، فقد تحقق ما عجزت عنه منتخبات بلدانهم.
الغريب أن خصماء الأندية الكلاسيكية الإسبانية نقلوا عدواهم إلى مسابقات كأس العالم، ولو إلى حين، بعدها رضوا بالشماتة، وأن لا أحد أحسن من أحد، فـ «ميسي أخو رونالدو».
هي ليال مقمرة، ومحملة بكل شيء جميل وممتع، ووقتها يمضي كخرّة الشهب، وتجعل من نوم أكثرنا أقل تقلباً، وبأحلام قد تتحقق في منامنا بعد ما فقدناها في حقيقة الشاشات الكبيرة، وتقنية كاميرا الفيفا.. وغداً نكمل ما جرى في بعض سهراتنا الكروية والاجتماعية الممتعة..
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد