ذلك اللون المكتئب

ذلك اللون المكتئب

ذلك اللون المكتئب

 صوت الإمارات -

ذلك اللون المكتئب

بقلم : ناصر الظاهري

لو قيل لي ما هو أبشع لون في الدنيا، فلن أتردد بالقول: إنه اللون الإسمنتي، لون يوحي لك بالاستفزاز والعدوانية المطلقة، لون يمكن أن انعته بأنه لون خائن، لذا غالباً ما يغطى بلون آخر يستره، فإما يدهن أو يغطى بورق ديكور أو يلبس بحجر، لا يترك ببروزه المجافي، ولونه الداعي لحرق الحياة.

لذا أستبشر كثيراً بجدران بيوت البحر الأبيض المتوسط، وواجهاتها البيضاء، وشبابيكها الزرقاء، ثمة أغنية في تلك البيوت الضاحكة للحياة، يجلبها الموج، وترددها السفن الساجية على الماء، ويتذكرها كل حين بحارة جبلوا على الفرح والحركة، والمغامرة باتجاه الحياة، لا يمكنك أن لا تتوقف عند ظلّة الجدار الأبيض، وتلك الأشجار الجهنمية التي ترّعى بياضه بألوانها الصارخة، والباب الخشبي الساكن بلون البحر، هناك دراجة هوائية مسلسلة، ومتكئة عليه بحذر، عجوز تسحب كرسيها الصغير، وتشعل سيجارتها، وفنجان قهوة يرتج في اليد اليمنى، لتستريح، وجارتها تطل عليها من الشباك المقابل، وثمة تواطؤ بنميمة مؤجلة، وحديث عن ذلك الرجل المار أمامهما، وهما يلوحان له متذكرات أوقات شبابه كيف كان، قبل أن تخذله الزوجة بأثقالها، بيوت هي الحياة، بعيداً عن الرماد، ولون الإسمنت الخديج.
حين تدخل باريس تجد تلك العمارات المقاومة، بطرازها، ومعمارها، وحجرها، ولونها الذاهب في صفرة الشمس المحترقة، شرفات من وقت، ومن ورد، وشجر يليق بسيدات المكان، هناك حديد مشغول على الشرفات، وفي البوابة الكبيرة، لكن الأسود يزينه بالوقار، والذهبي يتوجه بتلك الأبهة الملكية، لا إسمنت ظاهراً منذ أن خطط «هوسمان» باريسه الجديدة والمتجددة، لا لون يميل للعسكر هنا، هنا الحياة الدافئة، وفقط.

تنفر من بيوت لندن القاتمة، والجالبة للغم في صباح لا تريده أن يكون هكذا، من بيوت بعض المدن الألمانية التي تشبه المستودعات، وبيوت عمال السفن غير الماكثين، تشعرك بأن فيها رطوبة مستديمة، وروائح لحم مجفف، لكن مدن الثلج ببيوتاتها الخشبية المتلاصقة مع الشمس الخجولة، ونوافذها التي تتخبأ عن الريح المباغتة، تريد أن ترفع أعناقها فرحة بالثلج، لا شيء يمكن أن يمنع الشتاء هناك بأن لا يرسم لوحته كما يشاء، تاركاً حتى الأشجار تخرج من إطار اللوحة بعمائمها البيضاء المثقلة، لا شيء أحب من الخشب والحجر، وألوانه التي تأتي بالدفء، وتخزّن بهجة للعين.

أنا هارب دائماً من الإسمنت، واللون المكتئب، فرحتي ببيوت الطين، وذلك اللون الترابي، في مراكش والبصرة والعين، في الصحراء الكبرى، والمدن التي اكتحلت بالتاريخ، ويعميها الإسمنت بلونه المتثائب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذلك اللون المكتئب ذلك اللون المكتئب



GMT 22:32 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

خميسيات

GMT 21:24 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

التنسك في الألوان

GMT 21:19 2016 الأحد ,04 كانون الأول / ديسمبر

نوبل.. تلك النافذة الكبيرة

GMT 23:31 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

السماحة تميزهم.. ولا تغيرهم

GMT 21:21 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

نتذكر ونقول: شكراً

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates