عاشق يرعى عشب الليل

عاشق يرعى عشب الليل

عاشق يرعى عشب الليل

 صوت الإمارات -

عاشق يرعى عشب الليل

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

ليس هناك صديق وفيّ لبرودة الظلمة، وتلك الأحاسيس التي يوشوش بها الليل للساهرين والعشاق، والمتأملين، مثل الـ«ساكسفون»، لم أجد عاشقاً ولعاً في انسحابات الظلمة، وتتبع ظلال العابرين في تلك الغبشة المبكرة مثله، فإذا حضر الليل، والمدن المشتهاة، حضر الـ«ساكسفون»، ويظل يناجي ألق وأرق المساءات ببوح من الصدر محموم، يضفي على لمعة زرقتها أنساً، تكاد تبصر به الطريق، لصوته وفاء الأصدقاء، وحضورهم كندماء للوقت والريح والبحر، لصوته همهمات كبديل لشهقة العشاق، ودفء أنفاسهم، قد يأخذك بعيداً في الليل والظلمة، لذا اتبع صوته، وأتبع حسه، فثمة مناطق للضوء يقودك إليها، فاغتنمها، لأنه إذا جُن الليل، تسيّد الـ«ساكسفون» المكان، والحضور، وباح بأسراره التي لا يتحملها صدره، وأباح للمنصت أن يسرج أجنحة من صفاء وبشارة، وفرحة تدوم في القلب، وحده من يشعل الأماكن الصغيرة والمنزوية والتي تقبض على ناصية الأرصفة، وحده من يمنح ليل روما، وباريس، ونيويورك ألقاً من لمعة الذهب، ويكون الاشتهاء دون إغواء، فليله لا تتقاسمه النساء، ولا أباريق من عنب، الليل له وحده، هو سيد الحضور، وتاج المكان، هو الزامر الأبدي لتلك الأشياء التي تسعى في الطبيعة، وتمجد عيشها.
اخترعه البلجيكي «ادولف ساكس» عام 1840، المولود في مدينة «دينان» على ضفاف نهر «موز»، عام 1814، كان حرفياً مثل أبيه، وقد نجا في صباه من حوادث مميتة، فقد غرق، وسقط من الأعالي، وابتلع الدهان، كان والده يستخدمه في عمله الحرفي، وفي عام 1842، انتقل إلى باريس، وذلك بعد شهرته التي سبقته في مجال تصنيع الآلات الموسيقية، وهناك أنشأ مشغلاً لحرفته، وفي عام 1845، شارك في مسابقة نظمها الجيش الفرنسي بغية إجراء تعديلات على موسيقى الجيش، وتغيير نمطها السائد، ففاز بالمسابقة بفضل آلاته النحاسية ذات الصوت العالي والمتعدد، وفي عام 1846، حصل «ساكس» على براءة اختراع الـ«ساكسفون»، والتي أخذت كآلة تشق طريق شهرتها في القرن التاسع عشر في فرنسا من خلال الـ«مارشات» العسكرية، ثم تلقفتها الموسيقى الشعبية، وعممتها في العالم موسيقى الـ«جاز» والـ«بلوز» خاصة في أميركا، لكنها لم تعترف بها المؤلفات الموسيقية الكلاسيكية، ولا فرق الأوركسترا الفلهارمونية، رغم أن إدراج الـ«ساكسفون» كآلة في الأوركسترا كان عام 1844، في حين دخل الـ«ترومبيت» عام 1880، خصيصا لأوبرا «عايدة» للإيطالي «فيردي»، وقبل خمس سنوات احتفلت بلجيكا بمرور مئتي عام على ولادة «ادولف ساكس»، حيث يوجد له تمثال برونزي، ومتحف خاص في بروكسل، أما أشهر من عزف على الـ«ساكسفون» فهو «شارلي باركر» و«لستر يونغو» و«فوستو بابيبتي» والأميركي «كلارنس كليمنز» المعروف بـ«بيغ مان»، ومن العرب، الفنان المصري «سمير سرور» الذي ظهر لأول مرة بآلته خلف عبدالحليم حافظ، وأم كلثوم.. «الساكسفون» جميل وساحر مثل عاشق يرعى عشب الليل، هو صديق للشعر، نديم للحكايات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاشق يرعى عشب الليل عاشق يرعى عشب الليل



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates