بقلم : ناصر الظاهري
هل يمكن أن نسافر هذه المرة إلى الفنادق، فتغنينا عن المدن، باعتبار أن الفنادق هي مدن صغيرة، لا أعرف كم من الناس يحبذ هذه الفكرة، لكنني من أول المدافعين عنها، وأول المشجعين عليها، فحين تضيق بك مدينتك، وحين يستعصي عليك السفر بعيداً، فالزم القريب، ولا أقرب من الفنادق في المدينة أو أطرافها، أو تلك التي في الجزر سابحة، فخلال يومين من الاسترخاء أو السفر إلى الفندق، والمبيت في غرفه، وتجريب مطاعمه، والاستمتاع بمرافقه، وتناول إفطارك في شرفتك أو مشاركة الجميع المتوثب في ذلك الفطور الجماعي، ستجد نفسك منتعشاً نشطاً، وقد تغيرت نفسيتك، وكأنك باعدت الخطوات في بلاد الله، ولا غرمت كثيراً، قد تكون رحلة فندقية لوحدك للتأمل والعزلة والتبصر في أمور الحياة أو خلوة لإنجاز عمل، قد تكون رحلة عائلية لها خصوصيتها وسعادتها وفرحها الذي يدوم.
إن الرحلات إلى الفنادق هي أشبه ما تكون بالرحلات المجانية قياساً للسفر الحقيقي، ومكابدة مشاقه، وتحمل مصاريفه المنظورة، وغير المنظورة، هي أشبه برحلة إلى البر، والمبيت فيه حينما تضيق علينا جدران البيوت الإسمنتية، وبعيداً عن الضجر، والاجترار اليومي لمشكلات نصنعها ونتصنعها، وتكاد لا تنتهي، هي أقرب لنزهة بحرية يأخذك ريحها إلى المتعة والتنفس
بسعادة، والأكل الشهي، والتخفف من الأعباء، والهموم اليومية. لقد جربت السفر إلى الفنادق بدلاً من المدن، فوجدتها مسلية، لا يأتيها الملل، ولا يحل عليك الضيق، خاصة أن الآن لكل مدينة في البلاد خصوصيتها، ولكل مدينة فندقها المتميز والمختلف، فالخير أحياناً في سفر قريب بدلاً من السفر البعيد، قد يقول قائل، وهم كثر: أحياناً يكلفنا السفر إلى فنادقنا أكثر من سفرنا
إلى تايلاند، وأقول: صادقين، ويقول آخر، وهم كثر: السياحة المحلية معدة للأوروبيين، وتنسى المواطنين وتتناسى المقيمين، وأقول: صادقين، ويقول آخر، وهم كثر: كل الفنادق في البلدان الأخرى تعطي أولوية للساكن المحلي، وتكاد تحسب له نصف قيمة الغرفة، وحسومات على استعمال مرافق الفندق، وأقول: صادقين، لكنني هنا أطرح الموضوع لكي نخرج أحياناً بحالنا من أحوالنا، وإن خسرنا مالاً، خير لنا من أن نخسر أنفسنا، فالمشكلات التي تظل تُدخن البيت، سرعان ما يظهر عطبها وعطبتها، والضجر والملل ورتابة الحياة تستدعي كل قبيح، وتشوه كل جميل، والسفر إن كان بعيداً خارجاً أو قريباً داخلاً، يمكنه أن يهذب النفوس، ويبعد شررها عن الآخر، ويمكنه أن يصفيّ القلوب ويلينها، ويمكنه أن يجد مناطق تقاطع للمحبة والألفة.
إن السفر إلى الفنادق معناه عندي، أن تنقل نفسك من موقعها وأفقها الضيق إلى مناطق أرحب وأوسع، وفي مكان أقرب، وزمن أقصر، وتجد لك مكاناً مغايراً قد يكون أليفاً وحميماً، وقد يجلب لك صديقاً، قد ترجع منه غير خاوي الوفاض، وفي كيسك خمس فوائد للسفر!
المصدر : الاتحاد