تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

بقلم : ناصر الظاهري

في رحلتنا تلك التي شارفت عشرة أيام، متنقلين صباحاً، ماكثين ليلاً، نستبشر بصباحات المدن، ونثمل بعطر مساءاتها، بداية الأمر كان المسافرون يتذمرون من ذلك الفتى المهتز المرتج، ومن حركاته التي لا تستطيع أن تقدر أذاها، ولا تتنبأ بردات أفعالها، لكن مع الأيام التي قضيناها معاً متنقلين من عاصمة أوروبية إلى قراها وريفها، أصبحت أفعاله مزحة كل يوم بين المسافرين، وبعيداً عنه، وعن سمع زوجته التي أحياناً نحسبها مثله، وأحياناً نكبر فيها صبرها الذي يفوق صبر الأم على ولدها، نذهب إلى العشاء الجماعي، فيتشكى من كل صحن، ويقلّب الأكل، ويغضب من زوجته، وكأنها هي التي أعدّت الطعام، تظل رجلاه تختضان طوال السهرة، فينقل القلق للمسافرين الذين يجدون الليل متعتهم، وكله لهم، خاصة أولئك الشباب الذين يمكن أن تعد ساعات نومهم بساعات نوم الثعالب، ويزيد هو من توترهم حينما يبكي مثل طفل صغير في حضنها، فتحاول أن تعبث بشعره حتى يفزعها بحركة مفاجئة، وهو ينظر لها بعين غير رضية، حاولت بعض النسوة والعجائز الفضوليات أن يسألن زوجته عن مصيبته، فلم تجب بغير أنه لن يتعرّض بالسوء لأي شخص منهم، فهو مسالم وطيّب، لكنه شخصية مضطربة، وتحاول أن تعالجه بشتى السبل، كان يلتقط لنا الصور، ويطلب من زوجته أن تصوره مع المجموعة في كل مكان نزوره، يتحدث فتقول: إنه يمسك بطرف الفلسفة والحكمة معاً، وحين تنصت لحديثه باهتمام، لأنه بليغ، ويشعر هو بذلك، يقلب الأمر فجأة، ويتشتت الموضوع، وتضيع السالفة، كان يدخن بشراهة، يضحك للنكتة، لكنه ضحك يطول حتى تفسد على المتحدث الآخر حديثه، ونكتته، كان كثير الانفعال والتوتر، ومرات نخشى على صديقته أو زوجته منه، لم نعرف جميعاً سر تلك الأصابع الأنثوية التي تهدّيه بسرعة، وأحياناً تنوّمه كرضيع في قماطه. 
طوال الرحلة كان طيّباً مع كل الناس، خاصة العجائز المتذمرات، كان يعرف كيف يرضيهن في ساعات الصبح الباكر، وينتزع منهن الضحكات التي ترج تركيبة أسنانهن الاصطناعية، ما عدا واحد من أولئك الشباب الذين نومهم مثل الثعالب، قدر أن يقرأ وسامته، ونصبها الماكر بعمق، ونفذ إلى دواخله المظلمة، ولم تخدعه تلك اللحية التي تضفي عليه وسامة محببة للنساء القرويات، ولا تلك الظرافة التي يبدو أنه تدرب عليها كثيراً في حيّهم الذي يبعد كثيراً عن العاصمة، ولا أحد يعرف عنوانه، كان ذاك المخاتل ينظر إلى زوجة ذاك الفتى، فاكهة الرحلة، وعمادها بعيني ضبع غادر، واستطاع هو أن يلمح منهما تلك النظرة الفاسدة، والبريق الزلالي الكاذب، كان معه فقط يتصرف كرجل عاقل، وند غير مجنون أو جاهل أو معتوه، ربما كان يعود لطبيعته البشرية الأولى قبل أن يصطدم ربما بشيء هشّم قفصه الصدري، شيء مثل احتراق البلاستيك اسمه الخيانة!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates