بقلم : ناصر الظاهري
بعض الأشياء تبدو مطمئنة للنفس القلقة، حينما تراها قدامك أو تمثل لك من بعيد، خصوصاً عندما تدخل مدناً لا تجيد لغتها، ولا يستساغ أكلها، لذا إشارة حرف (m) الكبيرة لبيع المأكولات السريعة يجعلك تهدأ قليلاً، ويتوقف اضطراب البطن، وحركة الأمعاء الغليظة، تطمع وتتمنى لو تجد بالقرب منه مقهى يقدم القهوة الأميركية بشعار البنت الفاردة شعرها، ومزينة بالتاج، بهكذا تستريح، وتضمن عدم التشتت والحيرة أو سؤال الناس أو المخاطرة بأكلة دانماركية أو ألمانية لا تعرف من أين قرعة أبيها، كذلك من الأمور التي تجعلك تركن وتركد في السفر منظر سيخ
الشاورما كجذع النخل، لا يدري صانعه متى سينتهي، خاصة إذا ما تراءت لك تلك اللافتة المؤمنة «لحم حلال» وتجد من يبيعه تركياً أو عربياً، وزمان التمسك والتشدد والنفس اللوامة، كانت أمنيتنا في المدن البعيدة أن نجد مطعماً إسلامياً، فنضمن عدم الرجس واقتراف الذنب أو نصادف مطعماً لبنانياً، فنقول: طاب المأكل والمشرب أو نعثر على مطعم هندي، فنربّخ أطرافنا ونسترخي، فقط لأننا نعرفه، وجربنا أكل الهنود، وبالتالي نطمئن إليه، وربما كان هندوسياً، لا يحل للمتقين ذبائحه، فالإنسان عبد ما ألف، وأسير العادة، خاصة أولئك البشر الذين لا يحبون
أن يغامروا في الأكل، ويكرهون التجريب، ويصابون بتلبك معوي إن قربوا من أكل لا يعرفونه، اليوم من بذخ السفر عند المحترفين أن يسافروا من أجل التمتع بأكلات الشعوب، والتعرف عليها، وتذوقها مع مشروباتهم، وقضاء أوقات ممتعة وربما رومانسية في المطاعم المشهورة، والتي تحتاج بعضها للحجز المسبق قبل أشهر، خاصة في أوقات الاصطياف أو بعضها في أوقات الرحلات الشتوية أو نظراً لأسعارها الغالية جداً، وزبائنها رفيعي المنزلة من نخبة المجتمعات والمشاهير، ولا تريد هذه المطاعم أم الشوكة الذهبية أن يحوط حولها اللوث الذين
يسألون عن سعر كل شيء، ولا يعجبهم الكثير، ويحدثون قرقعة وأصواتاً أثناء الأكل، ولا يحبون أن يدفعوا إكرامية بعد الخدمة، لمثل هؤلاء من غالبية السياح تفرحنا علامات المطاعم التي نعرفها وجربناها، من حيث نوعية الأكل وأسعارها، اليوم ليس مثل زمان، لقد حلت المسائل، وأصبح كل شيء متاحاً، وعولمة المطاعم والمقاهي وسلاسلها موجودة في كل مكان، حتى في
محطات الوقود، ولم يعد للمتوجسين من عذر للقلق غير المبرر، بقيت نسبة قليلة ولكنها صعبة المراس، مملة في السفر، وتغصص عليك في كل حين، منهم النباتيون الذين يأكلون الحشيش والطحالب والشَبوّ، ويعفّون عن أكل اللحم، ومنهم الذين «يجزون» ويشككون في كل شيء، بدءا من غسل الأكل قبل طهيه، ونقاوة الزيت، ونظافة أظافر «الشيف»، والشك بأن النادل يعاني من أمراض معدية، ولا تظهر عليه أعراضها أو أن الطباخ من الناقمين وتفل في طبقه، هؤلاء إن رافقتهم أسبوعاً فستعود بحجم غاندي لبلادك!
المصدر : الاتحاد