بقلم : ناصر الظاهري
مشكلتنا في دول مجلس التعاون الخليجي أننا نتعامل مع السياسة بكثير من الموروث التقليدي الاجتماعي، ونخلط بين المصلحة والمجاملة الاجتماعية، وننظر للأمور بمنظور من الأعراف، والتقاليد المتبعة في القبيلة، وليس بمنظور واقعي تقاس به أمور الحياة السياسية ومعادلات المنافع والمصالح للمجتمعات في الدول المدنية، فكثير من مشكلاتنا الداخلية والخارجية، نحاول أن نسكنها لحين، ونداري عليها لحين، ونخفيها عن الأنظار لحين، ونسكت عليها لحين، حتى يأتي من ينبشها، ويأتي من يريد التكسب من خلالها، ويأتي المبغض الذي لا يريد المنفعة، وفعل الخير لينكأ جراحاً قديمة، ويأتي من يتحين الفرص، لنفتح له نافذة أصررنا أن تبقى مواربة على مشكلات صغيرة ظلت تتراكم، وتكبر تحت الرماد، ولَم نعمل حساب يوم ستنفجر كلها مرة واحدة، ويكون لانفجارها ضجيج يسمعه العالم، ولعل معضلة قطر، ومناطحتها للخطوب، كمناطحة وعل لصخرة يوماً ليوهنها، فما أوهنها، وأوهن قرنه الوعل، وإصرارها على المزايدة والمكابرة، هو تراكم من سكوت معلن، وتغاض متفق عليه، ومداراة الأخ والشقيق والصديق، وإن على مشكلاتنا في مجلس التعاون الخليجي أن تكون ضمن البيت الواحد، وأن لا نخرجها للعلن، وأن مشكلة تخص تخطيط الحدود، والتي أعيت اللجان، ودوّخت رسامي الخرائط الجيوسياسية يمكن أن تحلّ بطريقة عرفية، قبلية، وهو حلّ مسكّن، وحل راهن، لكنه ليس بحل جذري، ولا حل تاريخي، بدليل إذا ما تجدد مشكل، ولو كان صغيراً، انبرت المشكلات التي تحت خلل الرماد من جديد، والتي تلتمع، ويمكن أن تقيد، لأنها راكدة، لكنها غير منطفئة تماماً.
عمر مجلس التعاون الخليجي الْيَوْمَ أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد، وبعض من دوله قطعت شوطاً في التجربة السياسية، ولعبة الديمقراطية، وتصر على أن تحل المشكلات الدولية الراهنة، خاصة الاقتصادية والسياسية، بطريقة أعراف القبيلة، يمكن هذه الحلول أن تنجح في الجانب الاجتماعي، لكن في الجانب السياسي والاقتصادي فتبدو الأمور أكثر تعقيداً، وأكثر «برغماتية».
ولعل قائل وسائل يطرح لم هذا الهجوم على قطر بهذه القوة؟ في حين التعامل مع دول أخرى مجاورة، ولنا معها مشكلات قديمة وجديدة لم تجد مثل هذه الحدة في التعامل، والسبب ينبع من المشكلة، وينبع من صاحبها، مشكلتنا مع «العدو» يمكن أن نحيّدها، وطبيعة التعامل معه على مر السنوات بين مد وجزر، غير أن المشكلة تستعصي حين تكون مع «صديق»، فالعدو منتظر منه ذاك التصرف، في حين الصديق كنت تعزه أن يأتي بمثل ذاك الفعل، فبقدر المحبة، يكون العتب، ويكون الغضب، فالإنسان لو رفع ابن الجار عليه صوته، لن تكون ردة فعله مثلما يرفع ابنه صوته عليه، الْيَوْمَ ارتفع صوت دول مجلس التعاون على قطر لأنها غفرت وسكتت ودارت سنين طوالاً، لكن أن تصل الأمور لإغراق السفينة بمن فيها، دون مراعاة لأي شيء، ولأي أحد اعتبار، فقد وصلت الحلقة البطان، ودون ذاك خرط القتاد، كما كانت العرب تقول، وكانت تفعل إذا أرادت!