بقلم : ناصر الظاهري
كثيرون لا يعرفون أن «ونستون تشرشل» رئيس وزراء بريطانيا، فاز بجائزة نوبل، وكثيرون يعتقدون أنه نالها عن السلام ولعبة السياسة، لكن القليل من يعرف أن «تشرشل» كاتب وأديب، وأنه نالها في الآداب.
وقد حظيت قبل أيام برؤية فيلم من الأفلام الجميلة والجديدة التي فاتتني مشاهدتها في السينما، لكن السفر والمكوث في الطائرة دون نوم مثل حالي، يجعلني أعوض ما فاتني من أفلام جديدة أو قديمة، خاصة أن هذا الفيلم يتحدث عن السيرة الذاتية لشخصية محيرة، وذات إشكالية في التاريخ السياسي الحديث، «السير ونستون تشرشل»، وهو كذلك من الشخصيات التاريخية التي لا أخفي إعجابي بها، وتقديري لها.
أنتج هذا الفيلم حديثاً، وهو يتطرق لبعض من سيرة «تشرشل» ومن خلال ست وتسعين ساعة من حياته، وقبل الإنزال البحري في «نورماندي» والذي يعرف بـ «DD»، حيث كان يمكن أن تحدث كارثة إنسانية لو نجح الطيران والزحف الألماني، فخيرة شباب أوروبا كانوا مجتمعين ومجمعين في مكان واحد، وهو أمر كان يعارضه «تشرشل» بشدة، لكن «أيزنهاور ومونتغمري»، وبعض القادة العسكريين فرضوا مغامرتهم الحربية، ونجح الإنزال.
وقد أجاد الممثل «براين كوكس» تقمص دور «تشرشل» في كل لحظات حياته العصيبة، ساعة مزحه، ولحظة غضبه، ولحظات تفكيره الذي يشبه النوم أو الغفوة، وساعات الكآبة، والضعف والتردد، وإفراطه في الشراب، وتدخين «السيكار»، كان قديراً في تقديم «تشرشل» بطريقة محببة، وربما نال على هذا الدور جائزة الأوسكار.
ولعلَّ كثيراً من الحكم والأقوال والنكات الإنجليزية العميقة تنسب لـ «تشرشل»، وثمة نوادر مضحكة دارت بينه وبين الكاتب الساخر «برنارد شو»، ولعل من حكمه التي حفظتها منذ الصغر أنه دائماً ما كان يوصي سائقه وصديقه، فقد عرف عن تشرشل حسه الإنساني العالي، وكان يعامل المتعاملين معه بأبوة وحنان وعطف، كانت زوجته تفتقدها، رغم صبرها عليه، ومعرفتها بنفسية هذا القائد التاريخي، والذي كان يضع على كاهله كل آمال الإنجليز في تخطي الهزيمة والاستسلام، والنصر على هتلر الذي دمر عاصمتهم، كان «تشرشل» يقول لسائقه: «لا تسرع فأنا مستعجل»!
ومن الطرائف التي يمكن أن نختم بها حديثنا أن البرلمان الهولندي مرة ضج بسؤال لرئيس البرلمان، فحواه: ماذا لو أن عضو البرلمان الهولندي كان يشرب نصف زجاجة ويسكي صباحاً، وزجاجة نبيذ في الظهر، وكؤوس من «البراندي» عصراً، وفي المغرب يعاقر الـ «جين»، وفِي الليل زجاجة نبيذ معتق؟ فاعترض الجميع، وصاحوا، وهاجوا، وقالوا: يجب أن يطرد فوراً من البرلمان، ويوضع في مصحة لإعادة التأهيل، ضحك رئيس البرلمان، وقال: ولكن هذا ما كان «تشرشل» يفعله يومياً، وقد انتصر في الحروب، وعمّر للتسعين، وكان وطنياً!