تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر- 2

تذكرة.. وحقيبة سفر- 2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

أين الشارع المخضّر كغابة بلا نهاية، تحف به الأشجار عن يمين وشمال، أين السواد؟ أين الطرق المعشبة التي تقودك من المطار إلى حاضرة الرشيد؟ بل أين شارع الرشيد الذي سمع أذاننا الفجري؟ لِمَ يشبه اليوم مرآب البلديات؟ لِمَ كل هذه الكتل الإسمنتية، والحديد النافر منها كرماح تؤذي العيون؟ لِمَ غابت رائحة الشواء بجانب النهر، و«المسكوف» خبت ناره، ولا سارت باشتهائه ريح الليل للمشائين؟ لا تقولوا: إنه ما عاد هناك خبز «صمون وراشي ودبس وكليجة وخبر عروق!»، وأن الناس ما عادت تعمل التمر المدبّس الذي طعمه في الفم ما برح، لا تقولوا: إن «خان مرجان» كفّ عن الإنشاد وطرب المقام، وجرّ تلك النغمة الحسينية المتحشرجة ببكاء وحزن التاريخ، أما زال للشاي «الطوخ» طعم احتراق الحطب، ودفء «السماور»، وشفافية الاستكانة البلور، وتلك القرقعة المتراقصة التي تعملها «الخاشوكة» الصغيرة بمرح، وهي تمازج السُكر، وتقول: سَكّر ولا تُسكّر!
أما زالت سيارات الأجرة البرتقالية المتهالكة تتألم من كسر في زجاجها الأمامي، وسائقوها لا يعبؤون بتعليقاتهم الفحولية تجاه أشياء الحياة؟ لا.. لا تقولوا: إن تلك الفتاة التي ما تزال تتمطى فرحة بجغرافية الجسد، تهرع من شرفتها إلى السطح حالمة بأغنية لعبد الحليم أو حسين نعمة، مهداة بارتباك لابن الجيران، غيبتها الوعود بالنيران! لا تقولوا: إن تلك الدور كلها سافرت وهاجرت وهربت ورحّلت، لا تقولوا: إن العجوز المتدثر ببدلة إنجليزية ذات صوف عسكري مقلم، ومفصلة عند «ترزي» قديم يعرفه، ومخلص له، ويعتمر قبعة وبرية لدب ثلجي، جلبها له نضاله في تلك البقاع الشرقية، وبعكازته التي تعرف الدرب، قد مات كمداً على مدينته، لا تقولوا: إنكم لا تعرفون قبره أو نسيتم اسمه ورسمه! وأين فتاتي «بغذاذ»؟ تلك التي تمضغ لهجتها كحبة بلح ناضجة، و«تتشاقى» عليّ، وتخبئ عطرها عني في أماكن بمحاذاة القرط إلا قليلاً، في معصم ليته يقترب من الأنف قليلاً، وفي أماكن دافئة تقود البصيرة لها في عمى التمني، ورغبة الفرح والبكاء!
لا.. لا تقولوا إنهم عادوا من مدخل العباءة النجفية، وعمائم العترة الطاهرة، وأنهم يأمرون قبائل وبطوناً وأفخاذاً، وأنهم يمرحون في مدن كانت منيعة، محوطة بالشرف، وطُهر أسماء الأمهات!
لا تقولوا لي: إن بغداد هذه، لا ليل ولا صدق ولا شعر ولا أصدقاء، لا تقولوا: إن «الكرادة» تغيرت، وأن «الكاظم» غابت في السواد وكمد العباد، ولا «رصافة» يحنّ لها ولا جسر، ولا عيون تجلب الهوى، ولا أحد يدري بما يجري، ليت شجني ودمعي يبلل عتبة تلك الدور، أشكو لتلك النخيل التي ضرها الرماد، ونهر له حنان الجد كدجلة الخير، وأرض السواد، والفرات جفت أضرعه، ولا فاد ما مضى أو عاد، سلام.. على أحبتي في بغداد! عَدّ حرف الألف والباء والجيم والضاد!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates