بقلم : ناصر الظاهري
سافرنا مع الحاجة سهيلة إلى المدينة المنورة، بعدما أدت العمرة، وإذا بها تغيرت حالها، وزاد إيمانها، وكثر استغفارها، ودام تسبيحها، ولا تذكر شيئاً إلا وقبله باسم الله، وخاتمته إن شاء الله، فذكرتني بالمصطلحات المحفوظة منذ القدم، وظهرت حديثاً مع موجة التدين، بحيث ترى جماعة الدعوة، وكأنهم يتحدثون حديث رجل واحد، والجماعات الأخرى خطابهم واحد، وكأنهم قرؤوا على يد شيخ واحد، فأنكرت عليها ذلك، وقلت لها: «خليك طبيعية»، وحالة التدين التي استلبستك وأنت في الديار المقدسة أمر يحدث لكل الناس، فتجدينهم يبكون، ويزداد خشوعهم في الصلاة، ويواظبون على صلاة الجماعة، ويحسنون، ويتصدقون، لكن ما إن يرجعوا إلى بلادهم حتى يرجعوا لدنياهم، وتبدأ تلك الأمور تخف، حتى أن بعضهم تتلاشى عنده، فقالت: هذا الذي رادنك وراء، فقلت ما هو هذا؟ قالت كلامك البعيد عن التقوى، قلت: شو يخص التقوى في موضوعنا؟ المهم زاد الجدال، وتمسكت برأيها، ولا وصلنا لنتيجة، فذكرتني بفساد «الجدال» في الحج، وعلشان ما أطوّل عليكم، زوّرتها كل المناطق التاريخية في المدينة، فهي شغوفة بهذا، وظلت تدعو لكل الصحابة والتابعين، وفي موقعة أحد، نشجت حتى حسبت أن لها أربعة من الأولاد تجندلوا في تلك الغزوة، ورغم تلك الزيارة الروحية، إلا أنها كانت فرحة للغاية بملامسة جزء من التاريخ الذي كانت تسمعه، وتقرؤه، لكن هذا الانبساط لم يدم طويلاً، خاصة بعدما أخبرتها أن سيدنا عثمان، عنده حساب بنكي في أحد مصارف السعودية، وأن فاتورة الكهرباء تأتي باسمه، فصرخت، أعوذ بالله منك، فقلت لها: شو فيك؟ ليش ما تصدقين، تدرين أنه أحد مؤسسي شركة «جبل عمر» والتي تم إدراجها حديثا في السوق السعودي، إذ يملك مليون سهم بمبلغ أكثر من 10 ملايين ريال، وتدرين أن لديه فندقاً فخماً خمس نجوم، هنا كادت تفارقني، واستغفرت لي مراراً، وتكراراً، فقلت لها اسمعي الحكاية، فرويت لها قصة بئر رومة التي اشترى نصفها من يهودي بـ«12 ألف درهم»، فجعلها سبيلاً للمسلمين، بحيث يوم لليهودي يبيع فيه الماء، ويوم عثمان للمسلمين بالمجان، فكسدت تجارة اليهودي، لأن الناس كانوا يقصدون البئر يوم عثمان، فعرض اليهودي بيع حصته، فاشتراها عثمان رضي الله عنه بـ«8 آلاف درهم»، وظلت هذه البئر، واحتوت نخلاً وزرعاً، والبئر لم تجف يوماً، حتى توالت الأيام والسنون، وظل هذا الوقف الخاص بعثمان يدر المال، من بيع التمر، ويتصدق بما يكفي على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، والباقي وضع في حساب يخص سيدنا عثمان، حتى اشترى قطعة الأرض المجاورة للمسجد النبوي، والتي يتوقع أن تدر سنوياً خمسين مليون ريال، لم تصدق كثيراً حتى ذهبنا للموقع، وأشرت للافتة المكتوبة باسم عثمان بن عفان كمالك، أخذت صورة معها، لكنها لم تكن مقتنعة كثيراً!