تذكرة وحقيبة سفر  1

تذكرة.. وحقيبة سفر - 1

تذكرة.. وحقيبة سفر - 1

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر  1

بقلم - ناصر الظاهري

ذات صيف لن يتكرر، بحلوه الذي أتمناه، وبشره الذي لا أتمنى، كان في عام التسعين، وبدايات العمل الصحفي بعد التخرج، اخترت لأكون مرافقاً إعلامياً لمنتخب كرة السلة العسكري في رحلته التدريبية، ومشاركاته الخارجية لبطولات «السيزم» التي ستقام في فرنسا، وكان خط الرحلة يوغوسلافيا، العراق، فرنسا، كانت رحلة ستستمر قرابة الشهر ونصف في ذلك الصيف البارد، والذي تحول فجأة إلى صيف من نار، حين بكرنا على أخبار دخول الدبابات العراقية أرض الكويت، فجأة تخربط كل شيء، وتغير إيقاع مدن العالم، وفارت النفوس، كنا حينها في جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية، نتنقل في تلك الجمهوريات الست، «صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، ومقدونيا» التي وحّدها «تيتو»، وعاشت على حسه، ولم يكن يطرأ على البال أنها ستذوق ويلات الحرب والتفكك والحرب الأهلية والإقصائية والإبادات البشرية، بعد عامين من ذلك الصيف، كانت يومها هادئة، والناس ربما لم يكونوا في خير، لكن راحة السلم، ورائحة الأمان تسكن في النفوس، غيّرنا وجهتنا إلى العراق في أغسطس ذاك الصيف، واستقر بنا الحال في سراييفو.
ومن لم يعرف سراييفو قبل الحرب، فلن يعرفها أبداً، مدينة معفرة بتربة التاريخ، جبال معممة بنضارة ألوان الحياة الريّانة، وأنهرها من الجنة منسابة، بتلك الزرقة المتماهية بالخضرة، والتي تسقي الحجر الثقال، المساجد الممهورة بمئات السنين، وعرق الأتقياء، الأزقة الملتوية تحضن الحجر والقرميد والشبابيك التي تعشق شمس النهار، ونفة المطر، وصبايا يغزلن الوقت من أجل الأحلام.

«سراييفو» تذكرك بتجار الحرير والسجاد، وخان زمان، المطاعم العائلية في «باشرشيا» التي لا تقدم غير خبزة ساخنة خارجة لتوها من التنور، وقضبان لحم مشوي على الحطب، بطريقة بدائية غير بعيدة عن تركيا واليونان وقرى الشام ولبنان، الساحة البلدية، وماء السبيل، وحمائم ترفرف تضفي على الساحة نوعاً من بهجة الحياة، وجوه تعتقد للوهلة الأولى أن الزمان نسيها أو هي فرت من ذاك الزمان، الصبايا الفارعات، كحور من الجنان، تدثرهن الحشمة ومسحة التقوى، وذاك البياض الذي ينبئ بالعافية، وتلاقح السلالات، تحلف أنهن مختلفات عن ما رأت العين في بلاد الله، تتيقن أن القبح لا يسكن في هذا المكان، وأن الإسلام الذي جاء إلى هنا على وقع سنابك الخيل والخير، ومد الانتصارات، جلب أشياء كثيرة من مدن كثيرة، ورماها في حضن «سراييفو» مرة واحدة.
سراييفو جبال لها بياض النهار وثلجه في شتاءاتها المرجفة، والخضرة الوافرة في ربيعها وصيفها الذي لا ينسى، وكيف تنسى، ومرة يأتيك مخضباً بمطر خفيف، ومرة مكللاً بظل رفيف، ومرات بصباحات لها محيّا سكون المؤمنين، وهدأة نفوسهم، ألق للمكان يبكيك حد الوجع، وحد تذكر أزمنة فائتة من العمر، أزمنة لها رائحة سمرقند، وعطور بخارى الليلية، ونشوة فرغانة، وأشياء ساكنة في طشقند.. وغداً نكمل..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر  1 تذكرة وحقيبة سفر  1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates