بقلم : ناصر الظاهري
في الاستهلالة، وقبل الاسترسال، هناك مسألة أعتبرها في غاية الأهمية، فيما يعرف بصراع الأجيال، وهي عدم محاكمة هذا الجيل من الأبناء بمنطق وقيم الجيل السابق من الآباء والأجداد، فالزمان يختلف والظروف تختلف، وبقدر ما نستطيع أن نكون موضوعيين في هذه المسألة بقدر ما نخلق العذر، ونجد المبرر لكثير من تصرفات هذا الجيل، التي أقل ما نَصفها بأنها لا تعجبنا، وبأنها دخيلة على قيم وتراث أهل هذه المنطقة، لذلك حين ننصح أبناءنا نهرب بهم إلى الأمام بقولنا: كان أبوك يفعل كذا، وكان جدك يتصرف كذا، في حين كان لزاماً علينا أن نتفهم عصره، ونتفهم أصدقاءه، نعرف شيئاً عن منهجه الدراسي، وقراءاته، واهتماماته، ماذا يسمع حين يترك المدرسة، ماذا يرى من تناقضات في الشارع، وماذا يشاهد على القنوات التلفزيونية؟
ساعتها نستطيع أن نعرف محيطه، ونستطيع أن نقدر ردة فعله، أو حتى تصرفه. جيل الستينيات يختلف تماماً عن جيل الثمانينيات، بالأمس كان هناك عدو مثلاً.. اليوم أصبح دولة معترفاً بها، إذن لماذا يسمع الجيل الجديد أغنية «خلي السلاح صاحي» أو تعلق بذهنه كلمة منسية مثل فدائي وفدائيين، اليوم انعدم المثال العربي أو الفارس العربي، فلم لا يبحث عن بديل أمريكاني جاهز، ومعد «سينمائياً وترويجياً»؟!
اللغة الإنجليزية، هي اللغة التي ترفع لها القبعات، هي المدخل الحقيقي لأي «بيزنس» أو حتى واجهة اجتماعية يتفاخر بها، في حين العربية تلك البائسة التي تشبه مظهر مدرسها التقليدي، والتي يقدمها للطلاب وكأنهم من نسل العرب البائدة، والتي لا يراها في فاتورة الفندق، ولا على لسان مذيعة التلفزيون، ولا كميزة في التوظيف، يعتقد أن مكانها فقط في المدرسة، وفي تلك المسلسلات الرمضانية التاريخية الهزيلة التي تشعر فيها بالجرب، وتهيج جلدة الرأس.
لذلك ستكون الإنجليزية كطعم الشوكولا في حلقه، وما تجره اللغة بعد انهيارها من أمور كثيرة، لأنها هي الوحيدة التي تحدد الهوية، فقد يتبعها بتغيير المظهر أو اللباس التقليدي، وعادات المنزل، وطقوس الاحتفاء الاجتماعي.
أزمة جيل الشباب العربي في العموم والإمارات في الخصوص، هي ليست أزمة قيم متناقضة، ولا أزمة هوية وانتماء، هي أزمة عدم جدية في التعاطي مع الأمور الحياتية، وغياب الهدف، وغياب البطل الحقيقي، وعدم ردم الهوة بين الأجيال أو تجسير تلك المسافة التي تباعد بين ذهنيتين، ونمط تفكيرين مختلفين، وعمرين متباعدين.
هذه الأزمة ربما خلقها التغيير الاجتماعي المفاجئ، نتيجة الظرف الاقتصادي، وتوفر الحياة الاستهلاكية، وربما خلقتها الظروف الخارجية، باتساع الفضاء الإعلامي، وتوفر المعلومة، وسبل الاتصال والانتقال، ومحاولة عولمة الأشياء، وفرض النمط الغربي وبهاء صورته التي تدعمها الحرية الشخصية، والحقوق المحفوظة، والتعاطي مع أمور الحياة بعقلانية، وأحياناً بلا سقف
نقلا عن الاتحاد