بقلم : ناصر الظاهري
* ما أشد وطأة الحزن على المدن، لماذا للحزن صمت إنساني مفرد ومبجل، في حين للفرح صهيل جماعي يسكر؟! من رأى العين في الهزيع الأول من مساء الأمس، أدرك أن حزن بعض المدن كثقل جبالها، وأنها تتعالى عليه، لكنه صمت وسكون اللحظة، وذلك الأمل الذي لم يوافق يوم سعده، كانت العين بحاجة لتلك الفرحة، وكانت هديتها المخبأة للإمارات في عيدها، لذا يغدو الحزن كرحى من حجر على الصدر، كلما كانت خيبة الأمل قريبة وغير متوقعة، وكان الفرح قاب قوسين أو أدنى، بعض المدن لا يليق بها الحزن، وإنْ علق بذيل ثوبها، طوته أو رفعته على رأسها.. ومضت!
* هناك رجل بعينه أعرفه يتعالى على تمجيد الذات، ويجلّها عن تلك الدعوات المجانية التي تعطيها قصب السبق دائماً، وكثيراً من الريادة الزائفة، يعمل ويذهب، غير منتظر جزاء ولا شكوراً، يكون في المقدمة ويجد ويجتهد ويحقق النجاح، بعدها ينسحب من الضوء، ربما لعمل آخر، مدركاً أن محبي النجاح السهل والجاهز، الغارقين في صبيانية التصفيق بأكف خالية سيحتلون مكانه، لكنه يفضّل البكور لعمل جديد على المكوث أمام أطلال عمل قديم، هذا الرجل أعرفه، وأعرفه كثيراً، وأود أن أشكره، وأشكره كثيراً، لكنني لا أجده، ولا أجد ظله، هو مثل غمامة مطر هاربة من أكف الضراعة، ومن يتلو شكراً دائماً.. فهناك بقعة أخرى بحاجة لمطر!
* كاسترو يترجل ويودع ميادين النضال، تاركاً ذلك الأثر الذي لا يمحى بسهولة من صدور الأصدقاء والأعداء، لقد ارتاح المناضل العجوز، وأراح أصدقاءه الذين ما عادوا يقوَوْن على السير في دورب موحلة ومتعبة في الغابات والأدغال، وأراح أعداءه الذين لم يجعلهم يهنؤون بفرح الانتصار الأيديولوجي، والحصار الاقتصادي، فدائماً كان يضع أمامهم تلك العراقيل البدائية، وحلول الإنسان الأول، فالفرحون بالانتصار الأيديولوجي، كان يتباهى أمامهم بأن قيم الإنسان وثوابته هي من تهزم الدولار والعنجهية الكونيالية، وهي التي تجعل للطعام معنى وللنوم معنى وللحياة ألف معنى، أما أصحاب الحصار الاقتصادي، وتقنين الموارد والوقود، فلم يجد لهم إلا صبر الكوبيين، وتلك الثيران التي رافقت شقاء وعرق وتعب إنسان هذا البلد الصغير جغرافياً، والكبير تاريخياً، ويسخر: ما حاجتنا للرفاهية، وهي عندنا، ويمكن أن نكيفها على هوانا، فأقصى ما تترفهون به «السيكار الكوهيبي»، ونحن من نغزله على تلك السيقان الأبنوسية.
كاسترو لعله آخر الزعماء التاريخيين، وآخر المشاكسين السياسيين، ولعله من الشرفاء القليلين، عاش من أجل مجد الإنسان، ويرحل على ما يكفي الإنسان من مجد ليقول: عشت بسعادة وبشرف وبضمير!