بقلم : ناصر الظاهري
بعض الوجوه تمنحك العافية، وتمدك بطاقة من عمل كثير.. وكبير، تمر هكذا.. كنسمة باردة على الناس والحياة، ترى في مُحياها السماحة والوداعة والخير الكثير، تراها فيتسرب إلى جوفك فجأة، شيء كرائحة الفجر، كعطر الثرى والمطر.
أينما وطئت قدماها اخضرّت الأرض واستبشرت، وأدخلت من وقتها وسرورها الشيء الكثير في صدور الناس، وبقي ظلها يغشى الناس بالحسنى والمعروف والكرم الكثير.
ناسها.. تحسبهم كرذاذ المطر وهم الغيث والورد والعطر الأكثر، تحسبهم غمامة من خير عميم، تظلل الجميع وتسقي الجميع، ولا تستثني أحداً.
ثمة سر في تلك الوجوه، لا يخفى على أحد، قادرة هي أن تفعل الشيء الجميل في يوم الناس، تفرحهم إذا ما هلّت أو أطلّت، تسعدهم إذا ما حطّت أو حلّت.
لا تنضح تلك الوجوه إلا بالبشرى والبشارة، ناسها.. قلوب بيضاء وأياد بيضاء، وكأنها قدّت من نور وحبور، تبدو عليك، فيزهو السرور.
يتفق الكل على محبتها، لأنها تستحق المحبة، ولأنها أساس الحب، لا ترد طالباً ولا تغفل ثائباً، والجود مزروع في قلوبها، والسخاء يجري من تحت أيديها، يتلقفك ناسها بالبسمة الصافية، فتضعها تاجاً من الإحسان فوق الرأس أو تخبئها في تجاويف الصدر، حين يضيق الصدر.
نعددهم في حياتنا ونقول: فلان واحد من تلك الوجوه الكريمة، السمحة التي مرت على الناس والحياة كنسمة هواء باردة، تأسرك إن لقيتها، وتودع حبها في قلبك لا يبرحه، تتذكرها كلما تذكرت الخير، تعن عليك كلما سمعت بمعروف، تفتقدها إذا ما غابت، كغياب القمر في بر أو بحر، لا تقدر أنت على النسيان، ولا هي خلقت لتنسى، لأنها حاضرة كحضور الأشياء الجميلة في الحياة.
فقط.. يكفي أن تراها لتشعر بالاطمئنان والدفء، يكفي فقط.. أن تراها لتشعر أن الحياة ما زالت ريّانة بخيرها وألفها وتلك الرحابة التي سرقها الزمن الجديد منها، يكفي فقط.. أن تراها لتشعر بقيمة الرجال ونبل الفرسان وصدق المخلصين، يكفي أن تراها.. فلا تنسى.. يسعد صباح من تشبه بالكرام، لأن التشبه بالكرام فلاح، وقدر أن يقبض على أشياء الحياة الجميلة، وصاغها حباً في قلوب الناس، وأشياء يومهم، منحها دفئاً، ولوّنها بأطياف السعادة، وزرعها في طريق الناس، غايته مسح دمعة أو فتح نافذة كانت مواربة على الستر والتعفف أو إيقاظ عشب حدائقهم بفجر من ندى وماء، ليقول لهم آن لكم أن تبصروا الحياة بنعمة الله، وسره الذي أودعه في نفوس بعض من تلك الوجوه السمحة.. يسعد صباح الكرام، ومن تشبه بهم.
المصدر : الاتحاد