بقلم : ناصر الظاهري
أثبتت التحليلات، واستقصاء الآراء بشأن اكتئاب الإنسان عندنا منذ الصباح، أن سببه الدفع صباحاً ومبكراً، دفع أي شيء، المهم أن نهاره في ذاك اليوم لن يكون على ما يرام، سواء قسط مدرسة خاصة غالي الأثمان، أو إيجار سكن ما تهنأ بمرور ستة أشهر بسرعة هكذا، وحان وقت تحصيل الشيك الثاني، أو استبشر برسالة نصية تخبره أنه ارتكب مخالفة مرورية، وعليه توخي
الحيطة والحذر، مع تمنيات إدارة المرور بالسلامة للجميع، مدفوعات غير متوقعة: فاتورة «اتصالات» 1789 درهماً، وفاتورة «دو» 734 درهماً وخمسون فلساً، الكهرباء والماء 550
درهماً، و680 درهماً عن الشهر الفائت، ومبلغ بأثر رجعي عن الزيادة الجديدة، مدفوعات طارئة: تحمل أضراراً عن التسبب في حادث، رغم أن لديه تأميناً شاملاً 2000 درهم، تغيير إطارات سيارة الزوجة 3500 درهم، الفائدة الشهرية على بطاقات الائتمان 2687 درهماً، وتأمين «شيلد» للبطاقات الائتمانية نفسها 1850 درهماً، نظارة الولد غير النجيب التي كسرها،
ويقول إن زميله في المدرسة هو الذي كسرها 900 درهم، تسوق لعزيمة طارئة، ولكي لا ترجع الزوجة المصون في كلامها أمام أهلها 1700 درهم، كل تلك الأمور تجعل من الصباح سميكاً حد الملل، ولا يجعل للحلوى طعماً في الفم، ويمكن أن يذّكرك بأوجاع كنت «ناسيها أو أتجّب عليها»، ويمكن أن يهبط بنشاطك للنصف، ويسرق من الوجه بعض العافية، وتمشي دون همة للعمل، والسبب «هَمّجة الغوازي» التي تسربت من بين يديه.
في المقابل لو أن الإنسان عندنا تصبّح «بهمجة فلوس»، فجأة ستجد الأدرينالين صعد إلى أعلاه، وتجد البني آدم منا، يدخل على الزوجة يريد أن يمازحها، ويثني على صباحها، وصباح
الأولاد، ستجده اهتم كثيراً بهندامه ذلك اليوم، وبصورة مبالغ بها، حتى الزوجة سيرف جفنها الشمال، سيسلم على ناطور العمارة، وربما تذكر أنه لم يهمزه بأي مبالغ تضحك سِنّه منذ وقت ليس
بالقصير، سيستمع للإذاعة ببرامجها الصباحية المملة بشغف، قد يقصر طريق العمل، وسيبتسم لكل الأخوة الزملاء، ويصبّح بنبرة خجل على الأخوات الزميلات، وسيكون وجه مديره ذاك
النهار مثل الرغيف السخن يشتهى، سيتذكر أصدقاء، وسيلحّ على الاتصال بهم، وممازحتهم، قد يدخل البنك متأخراً، ويتعلث بمراجعة حسابه مع ذاك الموظف المرابي، والذي كان يسدها في وجهه كلما طلب قرضاً أو تسهيلاً لآخر الشهر، قد يتذكر أغنيات بعينها كانت تعنّ عليه أيام حبه الأول الفاشل، قد يشعر بخفة عجيبة، وربما ينسى أمر المفاصل، وتلك العَنّة التي تثقل قدميه، قد
يخبّص في الأكل ذلك اليوم بشراغه، ودون غزر، سيتصل من العمل بزوجته على غير عادته، وسيسمعها كلمة طيبة سكنت خاطره، غير أن الظروف القاسية لم تسنح له أن يقولها في وقتها، بعدها أنسته الأيام إياها، يمكن أن تعّن عليه مغامراته القديمة التي لم يحالفها النجاح كثيراً، وظل يتأسف عليها بأسى بين الحين والحين.. كل ذلك بسبب «هَمّجة الغوازي» التي تَصَبّح بها، داخلة لا خارجة!