تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

بقلم : ناصر الظاهري

زرت الأندلس لأول مرة، يافعاً، لكنها كانت تنبرئ لي حلماً متخيلاً، ومن قراءات قادرة أن تسافر بك إليها بعيداً، أو تضعك بين طرقاتها فجأة، وأنت تمشي مرحاً بتلك الملابس المزركشة، وعمامة منسدلة، يتدلى في منتصفها حجر كريم، ربما تتأبط كتاباً، وفي محفظتك ريشة أو قصبة ومحبرة، تدلف لحانوت أحد الورّاقين، وربما سألته عن كتب، وصلت حديثاً من بغداد، وقد تصادف البزّاز مسرعاً، يتلهف وصول قافلة، جالبة حرائر من الصين، ومن دمشق، فتغمزه أن يخبئ لك شيئاً مما عنده، يكتفي بإشارة من يده، تضحك من طبع التجّار، وتقول: سكّير قرطبة، هذا الدرويش الفاني، المتفاني، يفقه في الحياة أكثر من ذاك المهرول، المكتنز الذهب والقناطير المقنطرة، تدسّ في يده قطعة فضية، وتخشى خجلاً النظر لوجهه، وهو يتمتم بالدعاء، يكون نهارك الأندلسي يسير بالخير، وتتبع ظل الخير، فالحياة قادرة أن تمضي دونما أي ضجر، ويمكن أن نسيّرها بلا ضغائن، يلين قلبك لمرأى جاريات يتضاحكن بعد أن أودعن أنفك شيئاً من عطرهن البارد، ومضين يتبخترن في حفيف ثيابهن الساحبة، تستريح من مشيك في ذلك البازار، ومن ضجيج باعته، والمنادين، تستفيء ببرد شجرة سفرجل أو أترنج، الطارحة عناقيدها الخضراء والصفراء والشمسية، تجد غرباء، وطلاب علم قاصدين، وسائلين عن قصر الخليفة، فتدلهم على طريق النهر، وتلك القنطرة الحجرية، الموصلة إلى هناك، تعاود السير، ويلحق بك أجيرك بالخيل عند دكان العوّاد الذي يوزع الضحكات والنوادر من طالع صبحه، هكذا وهنا يجدك من ضيّعك، تنطلقا سوياً بعد أن خالطما الضحك بالسياسة، بحال الناس، وبالصلاة جماعة إلى بستان أحد الأصدقاء، فالغداء والغناء في تلك الرابية، تظللكم عروش العنب، وتسحركم مباسم ريّانات العود، والغصن الرطيب، يأخذكم الوقت بين رنّة وتر، وقصائد مغناة لعاشقي قرطبة ولّادة بنت المستكفي، وابن زيدون حتى تكاد الشمس أن تلون ذاك البستان بلونها الزعفراني، مستأذنة بالمغيب.

حين تخرج من حلم القراءة، والسباحة في الحلم، والتمني التاريخي ذاك، وتطأ قدماك الحافية قرطبة لأول مرة في صيف من صيوف المرحلة الثانوية، تدمع العين، وينقبض القلب، وتشعر بتلك الوحدة الظالمة، تأخذك حواريها، ورائحة الياسمين تتبعك، تثقل القدم، تتوقف عند أبوابها الخشبية، وألوان الجدران البيضاء، المحلاة بالأزرق النيلي، هنا المدرسة، وذاك السوق الكبير، وهناك مسجدها، فتخون بك رُكبك، ولا تقوى على المسير، تجلس بجانب خطاط، ينقش الحرف الأندلسي القديم، فتفرح، لكنه لا يعرف العربية، تتعجب، فلا تفارقه، وحين يهلّ قصته المنحدرة من آخر الموريسكيين، وأن جده السابع عبد الرحمن، وكان من أمراء الطوائف، واليوم هو يطوف قرطبة هائماً، يعرف بيته، ولا يقدر أن يدخله، يجلس بباب المسجد، ولا يصلي فيه، هنا قلت: هذه الأندلس.. خذني من الحلم أو ردّني إليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates