بقلم : ناصر الظاهري
يمكنك أن تعيش أسبوعاً في كوريا، وأراهنك أنك لن تسمع نبيح كلب أو يمكن أن تراه يرمرم عند صناديق القمامة، والحال في الفلبين، فآخر حمار شوهد وهو بكامل عافيته قبل سنوات طوال من الاستقلال، أما في فيتنام فقد قصدنا مطعماً لأكلات الكلاب نزولاً عند رغبة صديق، مشترطاً عليه أني سأبقى عند باب المطعم من الخارج حتى ينتهي من مهمته الافتراسية تلك، لكن وأثناء الطريق استطعت أن أقلب عليه ظهر المِجنّ، وأغير حاله الغابي إلى حال أمثل شبيهاً بأي راهب بوذي، بعد ما ذكرت له موضوع السعار، أما أهل الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي السابق والذين يحبون لحم الخيل، ولحوم الجمال ذات السنامين، وحليبها الحامض، فقد اضطررت أن أمثل عليهم دور «غاندي» في آخر حياته، فكنت أتعذر بأن الحصان والجمل يشعراني أنهما من أعز أصدقائي، ولا أحب أن أغدر بأي صديق.
أما «هونج كونج» تلك الجزيرة المارقة عن نظام الصين، والمتنفس لها بعد خروج بريطانيا منها بشق الأنفس، مع «مكاو» التي فكت ارتباطها بالبرتغال بعد أن عافت كل واحدة الأخرى، البرتغال لتعبها التاريخي، و«مكاو» المؤسسة على الميسر فقط، والتي ليست بحاجة لرعاية أبوية من أحد بعد كل هذه السنين في ممارسة الفجور، فعليك أيها السائح إن دخلتهما التخوف من مشاهدة القرد، وهو يصرخ كطفل بعد حلاقة شعره، وكسر مخه، وتقديمه لزبائن أكبادهم مثل أكباد الإبل، كما عليك الحذر من لحوم الأفاعي وسمومها، ونباتات جذورها من مئات السنين، ولم تكبر أكثر من شبر، وإذا ما دخلت سوقها الصيني فسيداخلك الشك والخوف فيما ترى، فئران ليست للتجارب المخبرية بالتأكيد، ديدان تلبط، حيوانات كانت يمكن أن تتطور لو أمهلت وقتاً، ولم تتعرض للقرض والانقراض، حتى حليب الأطفال يشاركون فيه صغارهم، ويبيعونه في السوق بعد عصر أمهاتهم، بصراحة وأنت في الصين توقع كل شيء، مرة امرأة صينية سمينة قاعدة عند باب مطعمها المطل على الرصيف كانت تناظر يمنة ويسرة، فمر قط بجانبها فخطفته بيدها اليمنى، ثم سلمته ليدها اليسرى بسرعة قصوى، بعدها سمعنا مواءه في مطبخها بعد إن تلقفه الطباخ في حركة سريعة ربما متفق عليها.
ورغم أن الحذر أقل في قيرغيستان، فبالإضافة للحوم الخيل، فأنهم يتناولون لحم ثور التبيت الوحشي «ياك»، ولحمه يمكن أن يشتهى خاصة حين تنزل درجة الحرارة للأربعين ما تحت الصفر، وهم يقدمونه بطريقة بدائية تذكرك بإنسانيتك في الغاب، لكن ما يزعجك أن أهل التبيت يستخدمون لحمه في الشاي، ويضعون عليه الملح بدلاً من السكر، فتلعي نفسك، وما يصنعون.
وحين تنصب خيمتك في البر، فاحذر من جماعتنا، وما يطبخون من «فقيشي» و«حَلَج»، ومن لحم الضب القاسي مثل عجلة سيارة ذات دفع رباعي، تظل فيه الحياة تدبّ رغم النيران المشتعلة، ويمكن بعد نصف نهار أن يتحرك في بطنك فجأة!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد